الأحد، 13 يونيو 2010

نضالات جماهير الجبهة بإقليم شفشاون ضد التهميش

كتبت هذا المقال لجريدة الشيوعي التي اصدرته في عددها الثاني لشهر ماي 2010

يوم 05 يناير 2009 خرجت جماهير الجبهة، لأول مرة في تاريخها، لتعبر عن غضبها وتضامنها مع الشعب الفلسطيني في غزة. كانت هذه التظاهرة مؤشرا عن تغير مزاج الجماهير في الجبهة، اذ نظمت بمبادرة من الشباب (تلاميذ الثانوي) الذين في أغلبهم بدون أي تكوين سياسي ولا تجربة نضالية سابقة.

لقد كانت تلك المظاهرة تمرينا جيدا لتسخين العضلات الفتية قبل الدخول في المعارك المقبلة، وهذا ما كان! حيث وقبل انتهاء سنة على تلك المحطة النضالية، دخلت الجماهير مرة أخرى لساحة النضال، وكانت الشرارة التي أشعلت لهيبه انقطاع الماء الشروب لازيد من أسبوع دون تدخل أي مسؤول لحل هذا المشكل.

الفورة النضالية

في البداية دعا بعض الشباب لتنظيم وقفة احتجاجية أمام المكتب الوطني للماء الصالح للشرب يوم 29 دجنبر 2009 لكن مدير المكتب رفض الحوار مع المعتصمين وتلفظ بألفاظ بذيئة في حقهم، لتتطور الأمور إلى مسيرة احتجاجية جابت مختلف شوارع الجبهة وتوقفت أمام اغلب أجهزة الدولة (القيادة، الجماعة، المكتب الوطني للماء).

استمرت هذه المسيرة أكثر من خمس ساعات، سادت خلالها روح كفاحية عالية وهو ما عكسته الشعارات التي رفعت خلالها، وبسرعة تعلم الشباب كيفية احتلال الشارع وتحدي القمع، هذه هي الخطوات الاولى في اكتساب الخبرة في الاحتجاج الجماهيري.

كانت اغلب الحوارات عبارة عن دردشات مع القائد ورئيس خلية الدرك الملكي اللذان وعدا السكان بعودة الماء خلال ساعات، لكن الساعات مرت والمياه لم تعد إلى الصنابير، فتم فرز لجنة حوار من أجل إيصال مطالب الساكنة إلى المسؤولين والضغط عليهم من اجل تحقيقها، لكن هذه اللجنة لم تجد من يتحاور معها. وفي حدود الساعة 19:30 اختتمت المسيرة بوعد تجددها غدا في العاشرة صباحا مع اغلاق جميع المحلات التجارية والحرفية وإضراب للأساتذة والمعلمين


.

في الساعة العاشرة صباحا من يوم 30 دجنبر 2009 انطلقت الشرارة من الثانوية، إذ نظم التلاميذ مسيرة جابت شوارع الجبهة وتوقفت أمام أجهزة الدولة مثل الأمس، انظم الآباء والأمهات إلى أبنائهم العطشى المطالبين بحقهم في الماء الصالح للشرب، وتوقفت المسيرة أمام جميع المحلات التجارية التي رفضت الإغلاق وأرغموها على الإقفال، وبسرعة تحولت المطالب الآنية الخاصة بالماء إلى مطالب اجتماعية عامة ورفعت شعارات ضد البطالة وغلاء الاسعار.

عقد جمع عام لكل المشاركين في المظاهرة، في مركز البلدة، تم خلاله تسطير مطالب جماهير الجبهة، وافرزت لجنة لرفع هذه المطالب للمسؤولين ضمت هذه اللجنة عمال وبحارة ومعطلين واساتذة وموظفين وتلميذتين وتجار...

حضر رئيس دائرة باب برد للحوار مع ممثلي السكان، لكن تبين عدم قدرته على الاستجابة لهذه المطالب وضـل يعد المتحاورين طيلة الوقت بأنه سيرفع مطالبهم المشروعة إلى الجهات المختصة، في نفس الوقت كان المعتصمون ما زالوا يرابطون امام باب قيادة الجبهة، ولم ينصرفوا الا بعد عودة المياه الى الصنابير وقراءة نتائج الحوار، فأعلنت أغلبية المعتصمين عن نيتها في الاستمرار في التظاهر إذا لم يتم تنفيذ مطالب السكان في أجل قدره شهرين


.

الانتخابات

في بداية هذه الحركة النضالية الرائعة أحجم عن المشاركة بعض الذين يعتبرون أنفسهم "مناضلين" بحجة ان سكان الجبهة يستحقون ما يحدث لهم، على اعتبار أنهم صوتوا على الرئيس الحالي للجماعة في الانتخابات الجماعية الاخيرة وفاز بهامش كبير على منافسيه، وهو ما نعتبره مبررا سخيفا لعدم المشاركة في النضال من جانب هؤلاء "المتجذرين"، الذين لا يفهمون أي شيء عن الجماهير بالرغم من انهم يتحدثون صباح مساء باسمها! إن الجماهير لا تتعلم في مدرسة المدعين ولا بخطاباتهم، بل تتعلم من خلال تجربتها الخاصة। حيث أن الذين صوتوا، وهم الأقلية على كل حال [والدليل على ذلك هي النسبة الضعيفة للمشاركة سواء على المستوى الوطني أو بالنسبة لمركز الجبهة التي لم تصل فيه حسب الاحصائيات الرسمية الى 40%، هذا دون الحديث عن العديد من الشباب الذي يرفض اصلا التسجيل في اللوائح الانتخابية.]، لفائدة الرئيس الحالي لم يجدوا منافسا حقيقيا له، بل مجموعة من الاشخاص الذين سبق لهم ايضا تسيير الجماعة واثبتوا جدارتهم في الفساد، فصوت من صوت بحثا عن بديل قد يحقق لهم ولو بعض الوعود التي قدمها، ثم أعطوه ما يكفي من الوقت ليروا هل سيتحقق أي شيء، لكنهم بعد ان يئسوا من الانتظار نهضوا ليحلوا مشاكلهم بأيديهم، وعندما احتاجت جماهير الجبهة ان تسمع صوتها الحقيقي فقد سمعه الجميع لا على المستوى الوطني او الاممي، الجميع سمع صوتهم المدين لتهميش الجبهة وتعطيش سكانها.



القمع يكشر عن انيابه:

اثناء هذه الحركة الرائعة جدا، وكما هي جميع الحركات النضالية، قام بعض الاشخاص بتكسير بعض مصابيح الانارة العمومية وبعض احواض الازهار أمام مسكن رئيس الجماعة وبوابة المكتب الوطني للماء، وهذا هو المبرر الذي استغلته الدولة لتوجيه ضربة قمعية لجماهير الجبهة لتجرؤها على الاحتجاج، فقامت قوات الدرك باعتقال ثلاثة شبان من المشاركين في الاحتجاجات، ياسين البازي (19 سنة) ومحمد زتيف (21 سنة) ومحمد سعيد أورياغل (20 سنة)، بعد عشرة ايام عن انتهاء الاحتجاجات، وقدمتهم للمحاكمة بتهم تخريب ممتلكات عمومية وخاصة، والمشاركة في مظاهرات غير مرخصة، واهانة موظفين اثناء اداء عملهم.

لكن الذي لم يتوقعه النظام هو موجة التضامن التي التفت حول المعتقلين لا سواء على المستوى الوطني أو الاممي، إذ شهدت محاكمة المعتقلين حضورا مكثفا لعائلات وأصدقاء المعتقلين ونظمت وقفات تضامنية معهم على هامش محاكمتهم يومي 21 يناير و04 فبراير 2010 شــــارك فيها العديد من الهيئات والاطالات الجمعوية والسياسية، من الجبهة وشفشاون، تطوان، طنجة، القصر الكبير (الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، رابطة العمل الشيوعي، الجمعية الوطنية لحملة الشهادات المعطلين بالمغرب، جمعية أطاك....)

وتقاطرت على البريد، المخصص للتضامن مع المعتقلين، العديد من رسائل التضامن من مختلف بقاع العالم ونشرت أخبار نضالات جماهير الجبهة والاعتقالات التي تعرض لها هؤلاء المعتقلين على العديد من المواقع الالكترونية، كان أبرزها مواقع التيار الماركسي الأممي الذي نظم حملة تضامنية مع جماهير الجبهة بالعربية والانجليزية والاسبانية والفارسية...، وقد بدت السلطات جد منزعجة من ضخامة حملة التضامن، وبسبب ضغط مختلف الأشكال التضامنية ترددت السلطات في أي قرار تتخذ. وفي النهاية عملت على إطلاق سراح المعتقلين الثلاثة، يوم الخميس 04 فبراير 2010 ، بعد أن قضوا حوالي شهر في الاعتقال، حيث تم الحكم عليهم بثلاثة أشهر موقوفة التنفيذ لكل واحد منهم।



لقد كان هذا الحكم، بالنسبة للقضاة والبوليس، حلا لإنقاذ ماء الوجه. إذ أنهم في الواقع خسروا المعركة. لقد اعتقدوا في البداية أن الاعتقالات سوف ترهب جماهير بلدة الجبهة وتخضعهم، لكن العكس هو الذي حصــل: فالاعتقـــالات زادت النار اشتعالا؛ وبدل أن تدفع بهم إلى النحيب والعويل، ردت عائلات المعتقلين ولجنة الدعم بقوة من خلال القيام بتحركات جديدة. ومنذ تلك اللحظة فصاعدا، صار المعتقلون يشكلون مصدر إحراج للسلطات، التي أرادت التخلص منهم بأسرع وقت ممكن.

لقد كان وصول المعتقلين الى الجبهة حدثا أجج مجددا جذوة النضال بين السكان فنظموا لهم استقبالا شعبيا، جابت خلاله تظاهرة شارك فيها اصدقاء وعائلات المعتقلين والعديد من شباب البلدة، مصحوبة بفرق فلكلورية محلية فكانت تسمع اصوات الزغاريد المختلطة مع الشعارات في مختلف الاحياء التي مرت منها التظاهرة.

عندما كان هؤلاء الشباب معتقلين، تعالت بعض الصيحات المستهجنة لتخريب "الممتلكات العمومية" من طرف بعض السادة "المسالمين"، هؤلاء الذين لم يكلفوا انفسهم عناء مشاركة السكان الاحتجاج على الوضعية المتردية التي توجد فيها بلدتهم، يمكننا ان نقول الشيء الكثير حول الطرق المستعملة في الاحتجاج، إننا لا يمكن أن نوافق على تدمير "الممتلكات العمومية"

والمحلات المهنية أو تكسير السيارات، إن هذه الاساليب تقدم للمسؤولين المبرر الذي تبحث عنه من اجل الظهور بمظهر "حامية الممتلكات العمومية" وتعطي الفرصة للذين يجيدون النباح كي يستمروا في نباحهم.

لكن مهما كان، فإن موقف المسؤولين والسادة "المسالمين" اتجاه التخريب هو موقف منافق، فما تم تكسيره خلال هذه الحركة الاحتجاجية، بغض النظر عن امكانية اندساس بعض العناصر الاستفزازية، لا يشكل شيئا مقارنة مع ما خربه المسؤولون الذين تعاقبوا على تسيير الجبهة منذ "الاستقلال"।



الاشعاع

بالرغم من تراجع الحركة الآن، الا أن الرغبة في النضال ما زالت مستعرة في النفوس، خصوصا أن جميع الظروف التي جعلت جماهير الجبهة ينجزون هذه الحركة الرائعة ما زالت قائمة، وأصبح الجميع يعرف أن هذه التجربة الغير مسبوقة ستتكرر وستسفيد منها العديد من المناطق المجاورة.

بعد أشهر قليلة، انفجرت مرة أخرى حركة جماهيرية في منطقة باب برد، التي لا تبعد عن الجبهة سوى بكلمترات قليلة، من طرف الفلاحين الفقراء اللذين يعتاشون على زراعة القنب الهندي، وقاموا بنفس الخطوات التي استُخدمت في الجبهة (مسيرات، وقفات، اضراب شامل للمحلات التجارية وأوراش الحرفيين)، وهذا يعكس السرعة التي التي تتعلم بها الجماهير، وأن التقاليد النضالية سرعان ما يتم استرجاعها وتطويرها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق