السبت، 25 ديسمبر 2010

أزمة الكهرباء بالجبهة

قبل أيام وبالضبط يوم الاربعاء: 22 دجنبر 2010 انقطع التيار الكهربائي عن الجبهة والدواوير القريبة منها لمدة تزيد عن 24 ساعة متواصلة، حيث جاءت هذه 24 ساعة تتويجا للعديد من الانقطاعات التي تراوحت ما بين الثواني والساعات الطوال، متسببة في تعطيل العديد من اعمال المواطنين في الجبهة (محلات الانترنيت، نجارة، حدادة، مبردات الاسماك....).


هذا دون الحديث عن الظلام السائد بشوارع (هذا إن صحت تسميتها بالشوارع) وأزقة ودروب الجبهة، وضعف الإنارة داخل المنازل التي لا تصلها في أحسن الأحوال سوى 180 فولت بدل 220، فتؤدي اللى توقف أغلب الأجهزة الكهربائية المنزلية وتصاب أحيانا بأعطاب متكررة.

العدادات الكهربائية لا تقرأ اطلاقا، والمواطن الجبهاوي يجبر على أداء فواتير تقديرية جزافية على مقاس أغلى فاتورة. وهو سلوك يمكن تصنيفه في خانة النصب على الزبون، إذ أن المكتب يجب عليه الالتزام بقراءة العدادات وتقديم فاتورة واقعية حقيقية للمواطن، بدل اعتماد الحصص الجزافية.

وبالرغم من ربط الجبهة بالتيار الكهربائي منذ أزيد من 10 سنوات، وارتفاع عدد زبائن المكتب الوطني للكهرباء الى ارقام كبيرة على اثر تزويد جميع دواوير قيادتي الجبهة وبني رزين بالكهرباء، الا أن المكتب لم يقم باحداث مقر دائم له بالجبهة، وبدل ذلك اكتفى بتفويت استخلاص الفواتير لاحد اصحاب مخادع الهاتف، ولم يعد المواطنون يجدون من يوصلون اليه شكاويهم، هذا دون الحديث عن اضطرار سكان جماعة ووزكان للسفر حتى جماعة باب تازة، التي تبعد حوالي 100 كلم عن مقر سكناهم، من اجل تعبئة بطاقاتهم الكهربائية بالرغم من أنه يمكنهم القيام بذلك بمركز الجبهة الذي لا يبعد الا 20 كلم. إنه وجه آخر لتقريب الإدارة من المواطن كما يفهمه مسؤولو المكتب.

مكتب موارده المالية من أعلى مداخل باقي الشركات، قاعدة زبنائه في ارتفاع ملحوظ، لكنه لا يساهم في امتصاص البطالة عن طريق توظيف مستخدمين لقراءة العدادات، قطاع يزود المواطنين بضوء أصبح ضوء الشمعة أحسن منه، كهرباء لا تستطيع أن تشغل أجهزة الكومبيوتر، مكيفات الهواء، آلات الغسيل، وحتى أجهزة الحلاقة في صالونات الحلاقة।



الجمعة، 24 سبتمبر 2010

درك الجبهة وشواهد السكنى

اليوم حصلت على شهادة السكنى في اسم والدتي من طرف درك الجبهة بعدما تقدمت بطلبها يوم الثلاثاء، أي قبل أربعة أيام، والذهاب كل يوم لمخفر الدرك والرجوع في اليوم التالي.

بعد أن تسلمت الشهادة قمت بمراجعتها، فاكتشفت أن العنوان المضمن فيها ليس هو العنوان المطلوب، إذ أنني تقدمت للحصول على شهادة تثبت أن والدتي تقطن بمركز الجبهة وأدليت بنسخة قديمة للبطاقة الوطنية وإفادة مقدم مركز الجبهة، في حين أن الشهادة يوجد بها أن والدتي تقطن بالدوار الذي ازدادت به.

عدت عند الدركي الذي سلمني الشهادة وأخبرته بالخطأ الموجود فيها، فردها لي بطريقة استفزازية وقال لي بأنه ليس هو من كتب الشهادة، وطلب مني العودة لاحقا وطلب الأمر من الدركي الذي كتبها، فأخبرته أنني لا أتعامل مع الدرك كأشخاص ولكن كإدارة يجب أن تصحح الأخطاء الغير المقصودة التي قد تقع فيها، لأن هذه الشهادة ستكون بدون معنى إذا كانت تتضمن هذا الخطأ.

يبدو أن الدركي لم تعجبه لهجتي فاخذ الشهادة وطلب مني أن تأتي والدتي شخصيا للحصول عليها، وبعد أن رجوته وأخبرته أنها مسافرة وأنني مسافر أيضا للحاق بها من اجل إعداد البطاقة، ازداد في إصراره رافعا صوته فخرج رئيس المخفر الذي تساءل عن المشكل فلما أخبرته بالمشكل قال: ما كاين بو شهادة اليوم، رجوتهم مجددا ازدادوا إصرارا، فقلت لهم: كما تدين تدان، لأفاجئ برئيس الدرك يصرخ في:
أجي لهنا، شني قلتي، آمر احد الدركيين بإقفال الباب، فكررت له ما قلته فقال: شني زعما كتهددنا ولاّ، غادي تقطعلوا رجلو، فأخبرته أنني لا اهدد أحدا وأنني لست مجرما حتى اقطع رجل شخص ما، فقال وشني زعما هاد الهدرة، فقلت له يعني سأتعامل معكم بالمثل كما تعاملت معي وتتعاملون مع المواطنين، وبعد اخذ ورد سمح لي بمغادرة المخفر.

هذه عينة بسيطة لما يتعرض له المواطنين من استفزازات للحصول على وثائقهم الإدارية بمخفر الدرك بالجبهة، يلجئون فيها إلى مختلف أساليب التسلط والتهديد، رغم أن إدارة الدرك بالجبهة معروفة بفسادها الشديد، خصوصا بعد أن انفجرت قبل أشهر فضيحة تعامل بعض الدركيين مع كبار تجار المخدرات في المنطقة، حيث تم تنقيل أحد الدركيين والرئيس السابق لخلية الدرك، إضافة إلى محاكمة دركي آخر بالسجن لمدة سنتين حسب ما تداولته الصحف، إضافة إلى تلفيق التهم لشباب الجبهة واعتقالهم على اثر مشاركتهم في احتجاجات دجنبر 2009.

بالرغم من وجود بعض رجال الدرك النزهاء والذين لا علاقة لهم بالفساد والتسلط، إلا أن المتحكمين في دواليب هذه الإدارة هم من يجعل حياة المواطنين الذين يلجون هذه الإدارة جحيما لا يطاق، ويفضل اغلب شباب المنطقة اللجوء إلى المدن المجاورة للحصول على البطاقة الوطنية تجنبا للمعاملة السيئة التي تتعامل بها إدارة الدرك بالجبهة.

الاثنين، 5 يوليو 2010

قراءات ما قبل العرس!!

كلما اقترب موعد حفلة الزفاف الا وازداد ابتعادي عن القراءة والانترنيت، أما التدوين فحدث ولا حرج، بالرغم من أنني نشرت على المدونة بعض الكتابات القديمة حتى أبقي المدونة حية، ولا يطالها مؤشر فأرة النسيان، لكن من الضروري ان أكتب شيئا، فقد قررت أن أكتب اليوم.

الاعداد لحفلة العرس تتطلب انشغال دائم باشياء مهمة جدا واشياء أخرى كنت وما زلت اعتبرها تافهة، لكن سلطة المجتمع تعمل عملها، اذ تجد نفسك مرغما على اتباع الموروث السائد في هذا المجال، فتنهال عليك النصائح من كل حدب وصوب، أين وكيف تعد وليمة الغذاء؟ متى يأتي المدعوين ليلا؟ وكيف توزع وقتك بين منزل العريس ومنزل العروس خلال الحفل؟ من أين ستأتي بالكراسي والطاولات والأغطية التي ستضحها في سطح المنزل؟ أين سينام المدعويين القادمين من المدن والقرى القريبة؟ كم مقدار الحلويات التي يجب اعدادها؟


تجد نفسك منشغلا بأشياء غريبة، مثلا ضرورة ربط العديد من الاتصالات من اجل توفير الزبدة والعجين الورقي، اللذان يستعملان في اعداد الحلويات، لعدم توفرهما بالجبهة.

مع كل هذه المشاغل، إضافة الى تتبع مباريات المونديال، من أين سيتوفر لك الوقت الكافي للقراءة والتدوين؟ لكن مع كل هذا الضغط وفرت بعض اللحظات لأخربش قليلا امام الكومبيوتر اليوم، وسأبدأ اليوم ببعض القراءات القليلة حتى لا يتسلل الكسل إليّ، سأبدأ اليوم بالجزء الول للمجموعة القصصية الكاملة لارنست همنغواي صاحب الروايات الرائعة: العجوز والبحر، لمن تقرع الجراس، و وداعا للسلاح .. الخ.



وسأحاول كلما انتهيت من قصة من قصصه أن اكتب بعض الملاحظات حول القصص التي تستهويني فقط او عندما احس بأني فهمت بعضا مما يقوله الكاتب، فقد تكلّخت مؤخرا وغلفت المنطقة الرمادية سحابة صدئة. سأترك هذا الكومبيوتر الآن لأقرأ إحدى قصص همنغواي قبل أن يحين موعد وصول الحافلة التي انتظر وصول الزبدة والعجين الورقي على متنها.

الأحد، 13 يونيو 2010

نضالات جماهير الجبهة بإقليم شفشاون ضد التهميش

كتبت هذا المقال لجريدة الشيوعي التي اصدرته في عددها الثاني لشهر ماي 2010

يوم 05 يناير 2009 خرجت جماهير الجبهة، لأول مرة في تاريخها، لتعبر عن غضبها وتضامنها مع الشعب الفلسطيني في غزة. كانت هذه التظاهرة مؤشرا عن تغير مزاج الجماهير في الجبهة، اذ نظمت بمبادرة من الشباب (تلاميذ الثانوي) الذين في أغلبهم بدون أي تكوين سياسي ولا تجربة نضالية سابقة.

لقد كانت تلك المظاهرة تمرينا جيدا لتسخين العضلات الفتية قبل الدخول في المعارك المقبلة، وهذا ما كان! حيث وقبل انتهاء سنة على تلك المحطة النضالية، دخلت الجماهير مرة أخرى لساحة النضال، وكانت الشرارة التي أشعلت لهيبه انقطاع الماء الشروب لازيد من أسبوع دون تدخل أي مسؤول لحل هذا المشكل.

الفورة النضالية

في البداية دعا بعض الشباب لتنظيم وقفة احتجاجية أمام المكتب الوطني للماء الصالح للشرب يوم 29 دجنبر 2009 لكن مدير المكتب رفض الحوار مع المعتصمين وتلفظ بألفاظ بذيئة في حقهم، لتتطور الأمور إلى مسيرة احتجاجية جابت مختلف شوارع الجبهة وتوقفت أمام اغلب أجهزة الدولة (القيادة، الجماعة، المكتب الوطني للماء).

استمرت هذه المسيرة أكثر من خمس ساعات، سادت خلالها روح كفاحية عالية وهو ما عكسته الشعارات التي رفعت خلالها، وبسرعة تعلم الشباب كيفية احتلال الشارع وتحدي القمع، هذه هي الخطوات الاولى في اكتساب الخبرة في الاحتجاج الجماهيري.

كانت اغلب الحوارات عبارة عن دردشات مع القائد ورئيس خلية الدرك الملكي اللذان وعدا السكان بعودة الماء خلال ساعات، لكن الساعات مرت والمياه لم تعد إلى الصنابير، فتم فرز لجنة حوار من أجل إيصال مطالب الساكنة إلى المسؤولين والضغط عليهم من اجل تحقيقها، لكن هذه اللجنة لم تجد من يتحاور معها. وفي حدود الساعة 19:30 اختتمت المسيرة بوعد تجددها غدا في العاشرة صباحا مع اغلاق جميع المحلات التجارية والحرفية وإضراب للأساتذة والمعلمين


.

في الساعة العاشرة صباحا من يوم 30 دجنبر 2009 انطلقت الشرارة من الثانوية، إذ نظم التلاميذ مسيرة جابت شوارع الجبهة وتوقفت أمام أجهزة الدولة مثل الأمس، انظم الآباء والأمهات إلى أبنائهم العطشى المطالبين بحقهم في الماء الصالح للشرب، وتوقفت المسيرة أمام جميع المحلات التجارية التي رفضت الإغلاق وأرغموها على الإقفال، وبسرعة تحولت المطالب الآنية الخاصة بالماء إلى مطالب اجتماعية عامة ورفعت شعارات ضد البطالة وغلاء الاسعار.

عقد جمع عام لكل المشاركين في المظاهرة، في مركز البلدة، تم خلاله تسطير مطالب جماهير الجبهة، وافرزت لجنة لرفع هذه المطالب للمسؤولين ضمت هذه اللجنة عمال وبحارة ومعطلين واساتذة وموظفين وتلميذتين وتجار...

حضر رئيس دائرة باب برد للحوار مع ممثلي السكان، لكن تبين عدم قدرته على الاستجابة لهذه المطالب وضـل يعد المتحاورين طيلة الوقت بأنه سيرفع مطالبهم المشروعة إلى الجهات المختصة، في نفس الوقت كان المعتصمون ما زالوا يرابطون امام باب قيادة الجبهة، ولم ينصرفوا الا بعد عودة المياه الى الصنابير وقراءة نتائج الحوار، فأعلنت أغلبية المعتصمين عن نيتها في الاستمرار في التظاهر إذا لم يتم تنفيذ مطالب السكان في أجل قدره شهرين


.

الانتخابات

في بداية هذه الحركة النضالية الرائعة أحجم عن المشاركة بعض الذين يعتبرون أنفسهم "مناضلين" بحجة ان سكان الجبهة يستحقون ما يحدث لهم، على اعتبار أنهم صوتوا على الرئيس الحالي للجماعة في الانتخابات الجماعية الاخيرة وفاز بهامش كبير على منافسيه، وهو ما نعتبره مبررا سخيفا لعدم المشاركة في النضال من جانب هؤلاء "المتجذرين"، الذين لا يفهمون أي شيء عن الجماهير بالرغم من انهم يتحدثون صباح مساء باسمها! إن الجماهير لا تتعلم في مدرسة المدعين ولا بخطاباتهم، بل تتعلم من خلال تجربتها الخاصة। حيث أن الذين صوتوا، وهم الأقلية على كل حال [والدليل على ذلك هي النسبة الضعيفة للمشاركة سواء على المستوى الوطني أو بالنسبة لمركز الجبهة التي لم تصل فيه حسب الاحصائيات الرسمية الى 40%، هذا دون الحديث عن العديد من الشباب الذي يرفض اصلا التسجيل في اللوائح الانتخابية.]، لفائدة الرئيس الحالي لم يجدوا منافسا حقيقيا له، بل مجموعة من الاشخاص الذين سبق لهم ايضا تسيير الجماعة واثبتوا جدارتهم في الفساد، فصوت من صوت بحثا عن بديل قد يحقق لهم ولو بعض الوعود التي قدمها، ثم أعطوه ما يكفي من الوقت ليروا هل سيتحقق أي شيء، لكنهم بعد ان يئسوا من الانتظار نهضوا ليحلوا مشاكلهم بأيديهم، وعندما احتاجت جماهير الجبهة ان تسمع صوتها الحقيقي فقد سمعه الجميع لا على المستوى الوطني او الاممي، الجميع سمع صوتهم المدين لتهميش الجبهة وتعطيش سكانها.



القمع يكشر عن انيابه:

اثناء هذه الحركة الرائعة جدا، وكما هي جميع الحركات النضالية، قام بعض الاشخاص بتكسير بعض مصابيح الانارة العمومية وبعض احواض الازهار أمام مسكن رئيس الجماعة وبوابة المكتب الوطني للماء، وهذا هو المبرر الذي استغلته الدولة لتوجيه ضربة قمعية لجماهير الجبهة لتجرؤها على الاحتجاج، فقامت قوات الدرك باعتقال ثلاثة شبان من المشاركين في الاحتجاجات، ياسين البازي (19 سنة) ومحمد زتيف (21 سنة) ومحمد سعيد أورياغل (20 سنة)، بعد عشرة ايام عن انتهاء الاحتجاجات، وقدمتهم للمحاكمة بتهم تخريب ممتلكات عمومية وخاصة، والمشاركة في مظاهرات غير مرخصة، واهانة موظفين اثناء اداء عملهم.

لكن الذي لم يتوقعه النظام هو موجة التضامن التي التفت حول المعتقلين لا سواء على المستوى الوطني أو الاممي، إذ شهدت محاكمة المعتقلين حضورا مكثفا لعائلات وأصدقاء المعتقلين ونظمت وقفات تضامنية معهم على هامش محاكمتهم يومي 21 يناير و04 فبراير 2010 شــــارك فيها العديد من الهيئات والاطالات الجمعوية والسياسية، من الجبهة وشفشاون، تطوان، طنجة، القصر الكبير (الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، رابطة العمل الشيوعي، الجمعية الوطنية لحملة الشهادات المعطلين بالمغرب، جمعية أطاك....)

وتقاطرت على البريد، المخصص للتضامن مع المعتقلين، العديد من رسائل التضامن من مختلف بقاع العالم ونشرت أخبار نضالات جماهير الجبهة والاعتقالات التي تعرض لها هؤلاء المعتقلين على العديد من المواقع الالكترونية، كان أبرزها مواقع التيار الماركسي الأممي الذي نظم حملة تضامنية مع جماهير الجبهة بالعربية والانجليزية والاسبانية والفارسية...، وقد بدت السلطات جد منزعجة من ضخامة حملة التضامن، وبسبب ضغط مختلف الأشكال التضامنية ترددت السلطات في أي قرار تتخذ. وفي النهاية عملت على إطلاق سراح المعتقلين الثلاثة، يوم الخميس 04 فبراير 2010 ، بعد أن قضوا حوالي شهر في الاعتقال، حيث تم الحكم عليهم بثلاثة أشهر موقوفة التنفيذ لكل واحد منهم।



لقد كان هذا الحكم، بالنسبة للقضاة والبوليس، حلا لإنقاذ ماء الوجه. إذ أنهم في الواقع خسروا المعركة. لقد اعتقدوا في البداية أن الاعتقالات سوف ترهب جماهير بلدة الجبهة وتخضعهم، لكن العكس هو الذي حصــل: فالاعتقـــالات زادت النار اشتعالا؛ وبدل أن تدفع بهم إلى النحيب والعويل، ردت عائلات المعتقلين ولجنة الدعم بقوة من خلال القيام بتحركات جديدة. ومنذ تلك اللحظة فصاعدا، صار المعتقلون يشكلون مصدر إحراج للسلطات، التي أرادت التخلص منهم بأسرع وقت ممكن.

لقد كان وصول المعتقلين الى الجبهة حدثا أجج مجددا جذوة النضال بين السكان فنظموا لهم استقبالا شعبيا، جابت خلاله تظاهرة شارك فيها اصدقاء وعائلات المعتقلين والعديد من شباب البلدة، مصحوبة بفرق فلكلورية محلية فكانت تسمع اصوات الزغاريد المختلطة مع الشعارات في مختلف الاحياء التي مرت منها التظاهرة.

عندما كان هؤلاء الشباب معتقلين، تعالت بعض الصيحات المستهجنة لتخريب "الممتلكات العمومية" من طرف بعض السادة "المسالمين"، هؤلاء الذين لم يكلفوا انفسهم عناء مشاركة السكان الاحتجاج على الوضعية المتردية التي توجد فيها بلدتهم، يمكننا ان نقول الشيء الكثير حول الطرق المستعملة في الاحتجاج، إننا لا يمكن أن نوافق على تدمير "الممتلكات العمومية"

والمحلات المهنية أو تكسير السيارات، إن هذه الاساليب تقدم للمسؤولين المبرر الذي تبحث عنه من اجل الظهور بمظهر "حامية الممتلكات العمومية" وتعطي الفرصة للذين يجيدون النباح كي يستمروا في نباحهم.

لكن مهما كان، فإن موقف المسؤولين والسادة "المسالمين" اتجاه التخريب هو موقف منافق، فما تم تكسيره خلال هذه الحركة الاحتجاجية، بغض النظر عن امكانية اندساس بعض العناصر الاستفزازية، لا يشكل شيئا مقارنة مع ما خربه المسؤولون الذين تعاقبوا على تسيير الجبهة منذ "الاستقلال"।



الاشعاع

بالرغم من تراجع الحركة الآن، الا أن الرغبة في النضال ما زالت مستعرة في النفوس، خصوصا أن جميع الظروف التي جعلت جماهير الجبهة ينجزون هذه الحركة الرائعة ما زالت قائمة، وأصبح الجميع يعرف أن هذه التجربة الغير مسبوقة ستتكرر وستسفيد منها العديد من المناطق المجاورة.

بعد أشهر قليلة، انفجرت مرة أخرى حركة جماهيرية في منطقة باب برد، التي لا تبعد عن الجبهة سوى بكلمترات قليلة، من طرف الفلاحين الفقراء اللذين يعتاشون على زراعة القنب الهندي، وقاموا بنفس الخطوات التي استُخدمت في الجبهة (مسيرات، وقفات، اضراب شامل للمحلات التجارية وأوراش الحرفيين)، وهذا يعكس السرعة التي التي تتعلم بها الجماهير، وأن التقاليد النضالية سرعان ما يتم استرجاعها وتطويرها.

الثلاثاء، 1 يونيو 2010

القمة (مسرحية من فصل واحد)

كتبت هذه المسرحية قبل الاجتياح الاسرائيلي لغزة في يناير 2009، وقد قامت فرقة "أولاد الدرب" المسرحية بعرضها في نشاط تضامني مع العشب الفلسطيني في غزة، من تنظيم جمعية مرسدار في فبراير من نفس السنة، وأعيد نشرها هنا لتكرار نفس القصة مرة اخرى وهي الجدل بين الانظمة العربية حول ضرورة عقد قمة عربية من عدمها، على اثر الهجوم الاسرايلي الوحشي على قافلة كسر الحصار على غزة، فلأترككم مع المسرحية وستجدون مرفقا معها بعض الصور لفرقة أولاد الدرب أثناء تأديتهم لهذه المسرحية.

الشخصيات:

الأمين العام: الشخصية المركزية في المسرحية، اذ يحتكر أغلب الحديث، ويجب أن يكون حسن الهندام (بذلة وربطة عنق ان امكن)
القائد 1: احد الرؤساء العرب ويجب أن يرتدي أيضا بذلة وربطة عنق ان أمكن (مصر، تونس)
القائد 2: يجب أن يرتدي لباسا خليجيا
القائد 3: يرتدي عباءة "تشامير" (موريتانيا، ليبيا)
القائد 4: يرتدي سروال جين أو سروال قصير وقبعة بيسبول.
صوت من الجمهور: يتدخل أحيانا في سير الحديث أثناء المسرحية.
المذيع: يشارك في مشهد واحد ويجب ان يتوفر على مجسم أشبه بالتلفاز يحمله بيده ويتكلم من خلاله. ويمكن أن يقوم بهذا الدور صاحب الصوت من الجمهور.
الجمهور: الجمهور يشارك في نهاية المسرحية إذ يقوم بعض أفراد الجمهور بقذف الممثلين بأوراق على شكل حجارة ويقومون باحتلال الخشبة.

الديكور:

كراسي وطاولات مرصوفة على شكل نصف دائرة مثل اجتماع بحيث تبدو ما تحت الطاولات بوضوح، مع ملصقات وصور تعبر عن اجتماع للقادة العرب، يحمل بعض الممثلين عصي المكانس يستخدمونها لضرب زملائهم تحت الطاولات أحيانا. طاولة جانبية موضوع عليها قارورة خمر وبعض الكؤوس.


المسرحية:

تفتح الستارة على الممثلين جالسين في أماكنهم.
ينهض الأمين العام ويقف في مواجهة الجمهور، القائد1 يعدل ربطة عنقه ويحاول تمشيط شعره، الثاني يتحدث في الهاتف، الثالث يقرأ جريدة، ، والرابع يأكل الزريعة
الأمين العام: نرجوا من حظرات المتفرجين التزام الصمت والانتباه، القمة ديانا بدات، والمشكلة اللي كندرسوها مع الزعماء قادة الدول العربية مهمة بزاف، ماشي غير لينا، مهمة حتى ليكم نتوما، وشكرا.
(يعود إلى كرسيه ويخاطب الحاضرين في القمة)
- جرت العادة أن أقدم لكم تقريرا حول مختلف المشاكل والقضايا التي تهم الأمة العربية العظيمة جدا (تصفيق من القادة واستهجان من الجمهور..) وخصوصا مشكل القضية الفلسطينية والعراق.
لكن هاد الجلسة الطائرة عفوا الطارئة غادي نخصصوها لمشكل خطير كنواجهه في الدول ديانا. إيه كاملين لاحظتوا أن الميريكان حاصلة في أزمة اقتصادية عالمية كبرى والأوروبيين اجتمعوا مع بعضهم، وكاع الدول د العالم كاملين داروا الاجتماعات باقيين غير حنا، وعلى داك الشي احنا دابا اجتمعنا.
هاد الأزمة جعلت الأسعار كطلع لفوق لفوق بزاف، والكثير من الناس جبرو راسهم بلا خدمة، مما أدى إلى ارتفاع آش كيقولولو
القائد 1: الأسعار
الأمين العام: لا، منين بنادم كيرجع يفهم
القائد 3: الوعي

الأمين العام: تماما هو هاداك الوعي، آه اش كنا كنقولو، الحومق كلهم رجعو بعقلهم وبداو يطالبو بالحقوق ديالهم، وظهرتنا ظاهرة غريبة وهي انخفاظ نسبة الجنون بين مواطنينا الاعزاء (تصفيق من المؤتمرين)
المواهب ديالكم ما بقاتش كتوكل، لذا خصكم دطوروا راسكم وتعرفوا بأن المصلحة مشتركة. لهاذا خص الخدمة دهاد المصلحة تكون مشتركة (بقسوة) ومن أجل هذه المصلحة أنا ضحيت بالغالي والنفيس واليوم مع هاد الازمة كنشوف أن مصلحتنا في خطر.
صوت من الجمهور: خصنا نعرفو بوضوح موقفكم من الحصار على غزة والاحتلال الامريكي للعراق!
الامين العام: (وكأنه لم يسمع شيئا) أجل إن مصلحتنا في خطر، لكن انا خممت مزيان وبعد جهد جهيد وتفكير شاق توصلت لوحد الفكرة عبقرية غادي تجنبنا هاد الازمة الاقتصادية العالمية، ودابا خصنا نشربو شي طراكو في صحة هاد الفكرة، ومن بعد نشرحها لكم ...
(ينهض القائد 4 مسرعا الى الطاولة التي توجد عليها قارورة الخمر والكؤوس ويبدأ في ملأ الكؤوس)
القائد 2: لكن كيفاش غادي نشربو طراكو في صحة هاد الفكرة واحنا باقيين كاع ما سمعناها، وطبعا باقيين ما اقتنعناشي بالنجاح ديالها (يركله القائد 1: تحت الطاولة لاعتراضه على كلام الامين العام)
الامين العام: نشربو دابا، باش نكونو فواحد الوضعية مناسبة باش غادي نستقبلوا هاد الفكرة العبقرية ديالي، واذا ما عجبتكمشي نشربو طراكوا آخر حتى تقتنعوا، لكن ثقوا فيّ،غادي تحمسولها بزاف في الاخير!
(يتناولون الكؤوس ويشربونها)

القائد 1: حقا إنها فكرة رائعة!
القائد 2: مدهشة!
القائد 4: عبقرية!
(الامين العام يراقب تعليقاتهم بابتسامة راضية ثم يدق الطاولة بيده يجفل لها القئد 4 الذي بدا يغالبه النوم)
الامين العام: دابا ننتقلوا للفكرة (يتنحنح ويفك ازرار سترته) أنا هدرت فهاد الموضوع مع صديقي صاحب الجلالة رئيس الجمهولكية العربية المتفرقة (ويشير بيده الى القائد 1)
القائد 1: أنا اش داني فشي حومق
الامين العام: ايوا خليني نكمل بعداك! (يواصل بلهجته السابقة) صاحب الجلالة رئيس الجمهولكية العربية المتفرقة هدر مع صاحبو القديم من أيامات الحرب، (بصوت هامس ومتلفتا حتى لا يسمعه أحد) الجنرال شارون (الامين العام يراقب الحاضرين الذين تظهر على وجوههم نظرات الاعجاب مع التلفت كمن ضبط متلبسا بجريمة.)
الامين العام: (يضحك بخيلاء ثم يعود الى الجدية) غدا تقراو في الجرائد خبرا مثيرا
(بضع يديه على شكل من يقرأ جريدة ويبدأ في القراءة مع ارتكاب بعض الاخطاء الاملائية، مع تصحيح بعض القادة لهذه الاخطاء، واحيانا يقوم بقرائتها بشكل صحيح ويقوم قائد ما يتصحيحها بشكل خاطئ ويخلق بينه وبين قائد آخر صراع جانبي يشتمون يعضهم ويضربون بعضهم بالركلات وعصي المكانس من تحت الطاولة)
الآمين العام: "قررت الجامعة العربية تبني المشاريع الوطنية لرعاية المجانين، وتحمست كل الدول العربية للفكرة وأعربوا عن استعدادهم لتمويل هذه الشوارع
القائد 3: المشاريع
الامين العام: شكرا، أعربوا عن استعدادهم لتمويل هذه الشوارع عفوا المشاريع كل في بلده، وتقديم الهبات المالية للمستثمرين في هذا القطاع مع إعفاء من الضرائب مدى الحياة، وذلك في سبيل خلق وحدة عربية متينة ورفع المستوى العمراني.
القائد 2: العمراتي أسي الامين
القائد 3: هي هاديك صحيحة العمراني، مشيو قراو بعداك عاد أجيو صحوا للناس
القائد 2: أخرس ياكلب أنت غادي تصحح لي
القائد 1: يخاطب القائد 4 النائم: كيف ترد على هذا الكلام
القائد 3: مخاطبا القائد 2: الكلب هو بّاك الحمار
القائد 1: يا جماعة ياجماعة (مخاطبا القائد 2) سأعطيك فرصة بعد الفاصل
القائد 2 يركل القائد 3 تحت الطاولة ويرد عليه القائد 3 بضربه بعصى المكنسة يتدخل الامين العام لفك الاشتباك، القائد 4 ما زال نائما.
الامين العام: (يضرب الطاولة بقوة يستيقظ القائد 4) واش انتم باقيين دراري كتدابزو على واش العمراني او العمارتي، واش احنا خصنا نفكروا في الاستثمارات وانتم شادين لي فالتخربيق اسيدي اللهلا يوصل شي حضارة عمرانية لهاد البخوش (يهدا الجميع فيعود الامين العام لوضعيته السابقة)
الامين العام: قلنا، رفع المستوى العمراني ماشي العمراتي (القائد 2 يهمهم في غضب) وتطور الازدهار الاقتصادي، والله يا باباكم ويصحح لي شي واحد دابا وخّا نخطأ، حتى يصبح العالم العربي شبيها في التقدم بالاتحاد الاوروبي والدول الحديثة، ياك همّا دارو الاورو واحنا العرب غادي نديرو "العورو" باش نعوروا العينين دياياكم (مشيرا الى الجمهور).
إن هذا دليل على اهتمامنا بشؤون الشعب، وقضاياه الحيوية* ولقدرتنا على تحمل المسؤوليات الصعبة التي تفرضها علينا المرحلة التاريخية التي تمر بها أمتنا.
(تصفيق من طرف القادة مع تبادل ضربات الركل تحت الطاولة ما بين القائدين 2 و 3)

صوت من الجمهور: وفلسطين والعراق واش نسيتوهم ولاّ.
القائد 2: (وكانه لم يسمع شيئا) لكن المشكل شكون غادي يبني وبسيّر هاد السبيطرات دالحومق، وزايدون همّا السبيطرات موجودين فكل مدينة.
القائد 4: الرأي ديالي، صباح الخير بعداك، الرأي ديالي تبنيهم الدولة وتجهزهم داك الساعة تبيعهم.
القائد 1: مزيانة هادي ونعملو حملة بأننا نشجع الاستثمارات الاجنبية ونبيعوا السبيطرات للكوار.
القائد 3: لا!! نحن ضد الاستثمارات الاجنبية يجب تشجيع المستثمرين المحليين، من أجل منافسة الاقتصاد العالمي المتمثل في العولمة ونديرو حنا العوربة كنترا على الكوار.
الامين العام: بلأّتي بلأّتي، ما تزربوش، باقي ما وصلناشي لهاد الشي. أولا خصنا نشربوا شي طراكو آخر
(يتلفتون بحثا على قارورة الخمر ولا يجدونها ينظرون بغضب للقائد 4 فيخرجها من تحت الطاولة فارغة، ينهض القائد 4 ويخرج من الخشبة ويعود حاملا قارورة جديدة ويملأ الكؤوس ويشربونها بسرعة)
الامين العام: أنا متأكد أن حتى شي واحد فيكم ما فكر في واحد النقطة جد مهمة، ما يمكنش يدار هاد المشروع بلا بيها!
(في هذا الوقت يرن الهاتف النقال دالامين العام وينشغل في الكلام بينما يتهامس الرؤساء العرب ويتبادلون الركلات والشتائم والكؤوس والقبلات)
- آش خصك عاو تاني، كتعرفي بأنه عندنا اجتماع د القمة د العرب،......... آش خصها مراتي؟ ... مريضة! دائما مريضة... تمشي لعند الطبيب اللي خصها، وأنا غادي ندعي معاها...
(يواصل الكلام في التلفون بحيث لا يسمعه الجمهور، بينما يستمر الرؤساء فيما يفعلونه، في هذه الاثناء يصعد المذيع الى الخشبة يحمل قي يده مجسم على شكل تلفاز يقف وهو يحمله بيده بحيث يبدو وجهه للجمهور وكانه مذيع يقدم الأخبار، ويبدأ في سرد الأخبار)
المذيع: أثناء انعقاد القمة العربية الاستثنائية والمستعجلة على اثر حصار عزة من طرف الكيان الصهيوني وقطع الامدادات الحيوية عنها من ماء وكهرباء، تقوم حاليا الالة العسكرية الاسرائيلية بقصف مدن القطاع بواسطة الصواريخ مخلفة العشرات من القتلى والجرحى في صفوف الأطفال والنساء، وفي خبر آخر لقد تأكد اغلاق معبر رفح الحدودي مع مصر من طرف السلطات المصرية مخافة أن تقوم الجماهير الفلسطينية المحاصرة من طرف الكيان الصهيوني بنزوح جماعي للأراضي المصرية.
ورغم الخلافات التي سادت بين القادة العرب قبل انعقاد القمة الا انه قد أكد لنا مصدر جد مطلع أن الأجواء تحسنت وهناك احتمال إصدار قرار موحد بشأن قضية جد مهمة، رفض مصدرنا اطلاعنا عن فحواها.
(ينزل المذيع عن المنصة، ويقفل الامين العام الهاتف وتعود الأجواء في القمة لجديتها)
الامين العام: الفكرة ديالي هي اذا درنا السبيطرات د الحومق على اساس يكونوا مجهزين بطريقة حديثة، حتى نستغل هذه النعاج في الترويج للبحث السيكولوجي، بحيث يصبح هواية شعبية في كل الدول العربية، هذه أولا.
أما ثانيا، فعندما ترى الدول الأخرى مدى النجاح اللي حققناه، غادي يطلبو منا المساعدة باش نديرولهم مشاريع مشابهة لديانا، وطبعا خصنا نردو البال ونفتحو عينينا لأن الدول اللي مخاصمة معانا تقدر تدير داك الوسائل ديالها، ديال الجاسوسية باش يسرقو الخرائط والاسرار د السبيطرات ديالنا، على أي حال هاد المشكل خص يبقاو وزراء الداخلية يسهرو ويقصرو عليه على الاقل مرة في الصيمانة.
القائد 3: اسمح لي اسعادة الامين العام د الجامحة الغربية، أصلا احنا ما وصلناشي لهاد الشي، احنا باقيين فشكون اللي غادي يبني السبيطرات وشكون غادي يسيرهم، وآش غادي نديرو بالسبيطرات القديمة.
القائد 2: اسكت يا كلب، يا عميل، انت لا تعرف مصلحتنا العربية العظيمة، نحن ننوي انجاز مشروع حضاري وانت كتكلم في التفاصيل الخاوية.
الامين العام: بلاتي، غير بشويا عليكم، كلشي غادي ناقشوه، ياك هادي جلسة مغلقة، الهدرة الخاوية قلناها البارح احدا التلفزيون، ودابا حتى واحد ما كيسمعنا (مشيرا الى الجمهور) حتى نتوما ما كتسمعوناش، هاد الشي غير بيناتنا، ايوا آجي ندخلو في التفاصيل.
الاقتراح ديالي هو نعطيو لكل دولة عربية الحرية في اتخاذ القرار بغات هي تبني السبيطرات تبر راسها، بغات تعطيهم للخواص ماشي سوقنا، اللي أساسي خصنا كل حومة وكل قرية يكون فيها سبيطار ديال الحومة كبير كيتسع لكل سكان الحومة.
القائد 4: (يحك رأسه متثائبا) لكن منين غادي نجيبو هاد الحومق باش نعمرو هاد السبيطرات.
القائد 1: مالك اصاحبي، زعما حرافتلك، اراه تجمع غير الحومق اللي فالبلاد، يشيط الخير.
القائد 2: لا ما يكفيوش، عدنا الغرض في عدد كبير ديال الحومق، اللي موجودين ما كافيينش، وزايدون الاغلبية د العائلات كتفضل يبقاو ولادهم الحومق معاهم في الدار.
القائد 3: ودابا مزيان هايدا كيكون النقاش ماشي زبل في نزبل فيك (في نفس اللحظة يركل القائد 2 من تحت الطاولة) خصنا نديرو حملة دعائية من أجل تشجيع الجنون ونرفع شعاره 10 مليون مجنون في افق 2010 لكل بلد.
القائد 2: اش كتقول اخاي، انا البلاد كاملة عندي فيها نص مليون.
القائد 1: ايوا اجمعهم في سبيطر واحد وهني راسك.
الامين العام: مزيان، مزيان، كلها اقتراحات مزيانة بزاف وبنائة، لكن انا عندي واحد الاقتراح جد مهم

(في هذه الاثناء يرن هاتف تلفون القائد 3، يتحدث بهمس ووجهه مصفر، بعد أن ينهي التلفون يبدأ في البكاء)
القائد 1: اش كاين ياك لاباس.
صوت من الجمهور: وساليو علينا هاد المسرحية، مزيان اللي يجري على باباكم من هاد الخشبة.
القائد 3: يرد من بين الدموع والصراخ: دارو علي انقلاب، ولاد الحرام خلاوني غير انا جيت للقمة وهما ينقليو علي، داك العساكرية ولاد الحرام، هاد ولد الحرام هو اللي شعلها لم (مشيرا الى القائد 2)
القادة والامين العام بصوت واحد: اخرج علينا ما بقيتيش منا.
(ينهضون لاخراجه وهو متشبث بكرسيه لا يريد ان يفارقه فيحملونه بكرسيه ويخرجونه بينما يقوم الامين العام بكتاية شيء على ورقة)
الامين العام: ايوا هادي كاع ما طاحت علي خصني نزيدها في البيان الختامي
(يرجع القادة)
القائد 2: كنت كتقول بأنه عندك شي اقتراح جد مهم اشنو هو
(في هذه الاثناء يكون الصف الاول من الجمهور حاملا أوراق على شكل حجارة يبدأون بقذف القادة وهم يصيحون: الاقتراح ديانا هو خرجوا علينا الكذابة، يالله الزنقة. يبدأ القادة بالنزول من الخشبة ويصعد لها بغض افراد الجمهور وهم يصيحون
"فلسطين فلسطين دم في عروقي ولا انساها ولو اعدموني" مرات متعددة وتصدح اغنية مرسيل خليفة: منتصب القامة امشي مرفوعة الهامة امشي، ويردد الجمهور الذي صعد الى الخشبة الاغنية مع المغني حاملين اوراق مكتوب عليها شعارات تضامنية مع فلسطين وعلم فلسطيني ان امكن، بعد نهاية الاغنية يتقدم احد الجمهور الذي كان يصيح من القاعة ثم يخاطب الجمهور:
الصوت: فعوض هاد الكدابة اللي جرينا عليهم احنا اللي غادي نقراو البيان الختامي (ويبدأ في قراءة كلمة يعلن فيها تضامن تلاميذ الثانوية وسكان الجبهة مع الشعب الفلسطيني وادانته للانظمة العربية التي تشارك في حصار غزة.
بعد الانتهاء من الكلمة يعود الممثلين الرئيسيين الى الخشبة من أجل تحية الجمهور لكن مع بقاء محتلي الخشبة فوقها وهم يقبضون عليهم كالمجرمين.



الجمعة، 14 مايو 2010

حكمة الغرب (الجزء الثاني)

أنهيت الجزء الثاني من كتاب "حكمة الغرب" للفيلسوف الانجليزي برتراند راسل يوم السبت: 02 ماي 2010، أثناء إشرافي على معرض مكتبة جمعية مرسدار، التي تنظم صبحيات للقراءة نهاية كل أسبوع بدار الشباب بالجبهة.



وضع الكاتب عنوانا فرعيا لكتابه هو "الفلسفة الحديثة والمعاصرة" إذ أكمل بحثه بنفس الطريقة التي اتبعها في الجزء الأول وهي عرض لمختلف التيارات الفلسفية في إطار خلفية تاريخية توضح الإطار الذي نمت فيه هذه الآراء الفلسفية، وهو يكمل هذا العرض انطلاقا من النقطة التي توقف فيها في الجزء الأول، أي ابتداء من نهاية العصور الوسطى وبداية النهضة الأوروبية.

لكن الكاتب يعيد، في خاتمة هذا الجزء الثاني، التأكيد على ما طرحه في الجزء الأول، وهو أنه خصص عرضه بالكامل لحكمة الغرب ولم يتناول "التأملات الشرقية" لاعتبارين اثنين، أولهما أن العالمين الشرقي والغربي تطورا كل بمعزل عن الآخر. أما الثاني، وهو المهم في نظر الكاتب، هو "أن التراث الفلسفي الغربي يختلف في جوانب أساسية عن تأملات العقل الشرقي، فالحضارة اليونانية هي وحدها التي سارت فيها الحركة الفلسفية مع التراث العلمي جنبا إلى جنب، وهذا ما أضفى على الانجاز اليوناني طابعه المميز، بل إن هذا التراث المزدوج هو الذي شكل حضارة الغرب".

إلا أن هذه التأكيدات اعترض عليها مترجم الكتاب بشدة وهو بصدد تقديمه للكتاب، معتبرا أن هذين الموقفين يثيران العديد من الاعتراضات وهو الشيء الذي خصص له جزء غير هين من مقدمته للكتاب.



بالفعل يثير هذا الكتاب العديد من الاعتراضات، سواء في فهمه لتوجهات التيارات الفلسفية، وتحليله للخلفيات التاريخية التي نمت فيها هذه التيارات، وكذلك درجة الاهتمام الذي يناله فيلسوف أو تيار فلسفي على حساب تيارات وفلاسفة آخرين، ولعل ابرز مثال على ذلك هو الحجم الذي شغلته التجريبية الانجليزية على حساب مدارس أخرى.

لم يشذ راسل عن القاعدة أثناء تناوله للماركسية، على اعتبار أن الماركسية فلسفة لا يمكن تناولها بطريقة محايدة، فالذين يعتبرون أنه ينبغي المحافظة على المجتمع الذي يعيشون فيه ويدافعون عن النموذج الديمقراطي للبرجوازية، يكيلون أقذع الشتائم للماركسية، ويبحثون بجهد عن أي ممارسة خاطئة تمت خلال عهد الاتحاد السوفياتي للنيل منها، إلى درجة أن الكاتب يستخدم جملا من قبيل "التعاليم الماركسية الرسمية" وهي عبارة مناقضة لذاتها إذا كنت بصدد تحليل فلسفي، لأن التعاليم الماركسية شيء والتطبيقات الرسمية لها في دولة من الدول شيء آخر.

لكن رغم ذلك، وأمام سلطة العمق النظري للفلسفة الماركسية، فلا يجد هؤلاء إلا الاعتراف بأهمية الماركسية ومساهمتها الفعالة في تطور الفكر الإنساني عامة يقول برتراند "الفلسفة الماركسية هي آخر مذهب فلسفي عظيم أنتجه القرن التاسع عشر".

أما الذين يعتبرون النشاط الفلسفي يجب أن يساعد على إحداث تغيير في النظام الاجتماعي، والمناصرون لقضية التغيير الثوري للمجتمع نحو تشريكه، فيرون في الماركسية الأداة النظرية لرفع الوعي الطبقي لدى العمال من اجل تحويلهم لطبقة سائدة وحسم السلطة السياسية.



يصنف راسل ماركس بين القديسين لأنه بنظره مؤسس حركة قدسته وما زالت، وهو بذالك يحاول أن يعطي انطباع عن الماركسية كأنها عقيدة دينية جامدة لديها تنبؤاتها الطوباوية، لأنها تأكد على الحتمية التاريخية للتحول نحو الاشتراكية.

ويعتبر أن المؤثرات الرئيسية في تفكير ماركس ثلاث: أولها ارتباطه بالراديكاليين الفلسفيين أصحاب مذهب المنفعة (ريكاردو، مالتوس..)، وتأثره بالمذهب الهيجيلي ثانيا، أما العنصر الثالث فهو تبنيه لمادية القرن الثامن عشر.

وبعد أن يقدم الكاتب تفسير لكيفية تأثر ماركس بهذه العناصر الثلاث والإضافات النوعية التي قدمها، يخلص إلى أن النظرية الماركسية معقدة وعالية المستوى إلى حد بعيد، إلا انه ينتقد أنصار ماركس الذين، بزعمه، أوغلوا في التفكير النظري الفلسفي في مسائل كان من الأفضل تركها للبحوث العلمية التجريبية، ويضرب المثل بكتاب انجلس "ضد دوهرينغ" حول تفسيره لغليان الماء على أساس التناقض والنفي ونفي النفي। لكنه رغم ذلك يعتبر أن ماركس كان مصيبا – على الأرجح – عندما قال أن الاهتمامات العلمية العامة لمجتمع ما تعبر بقدر معين عن المصالح الاجتماعية للفئة المسيطرة عليه، ويضرب المثل بإحياء علم الفلك في عصر النهضة.

ثم يعود لينتقد النظرية الماركسية في العلوم معتبرا أنه يشوبها عيبان أساسيان "فمن الواضح أولا أن حل مشكلات جزئية خاصة في ميدان علمي معين لا يتعين أن يكون مرتبط على أي نحو بأي شكل من أشكال الضغوط الاجتماعية. وليس معنى ذلك بالطبع أن ننكر أن هناك حالات تعالج فيها مشكلة معينة استجابة لحاجة وقتية عاجلة. ولكن المشكلات العلمية في عمومها لا تحل بهذه الطريقة. وهذا يؤدي بنا إلى نقطة الضعف الثانية في التفسير المادي الجدلي، وأعني بها عدم اعترافه بالحركة العلمية بوصفها قوة مستقلة. ولنقل هنا، مرة أخرى، إن أحدا لا ينكر وجود روابط مهمة بين البحث العلمي وأمور أخرى تحدث في المجتمع. غير أن ممارسة العلم قد اكتسبت، بمضي الوقت، قوة دفع خاصة بها، تضمن لها قدرا معينا من الاستقلال الذاتي. وهذا يصدق على جميع أنواع البحث الموضوعي المنزه عن الغرض. وعلى ذلك، فبينما كان للمادية الجدلية قيمتها في إيضاح أهمية المؤثرات الاقتصادية في تشكيل حياة المجتمع، نجدها تخطئ حين تفرط في تبسيط الأمور على أساس هذه الفكرة الرئيسية."



من هذا الاقتباس الطويل يتضح لنا تناقض الكاتب في تقييمه للنظرية الماركسية فتارة يسمها بالتعقيد وعلو المستوى، ليعود فيتهمها بتبسيط الأمور، وهو في تناقضه هذا يحاول أن يظهر عيوب الماركسية لكن في نفس الوقت يسرع ليسد الباب على أي توضيحات ممكنة لتصوراته بقوله: "أن أحدا لا ينكر، وليس معنى ذلك"، وكذلك يظهر تهافت هذا الانتقاد كون الكاتب يتكلم بصيغة معممة لا يجدر "بفيلسوف" أن يتحدث بها، إذ يبدأ شرحه لعيوب الماركسية بقوله "من الواضح "دون أن يخبرنا كيف يتضح ذلك، وان "أن المشكلات العلمية لا تحل بهذه الطريقة" دون أن يقدم لنا الطريقة التي تحل بها المشكلات العلمية، هذا علما أته لا يعطي تصور واضح عن كيفية إشتغال الماركسية، إذ أن الماركسية تتبنى منظورا جدليا في تحليلها لكل الأمور سواء في العلم أو المجتمع وهي علاقة التأثير والتأثر، لنأخذ مثلا المثال الذي طرحه الكاتب حول تقدم علم الفلك، إن مصالح اجتماعية لطبقة معينة في المجتمع تفرض عليه اهتماما علميا معينا، ليعود هذا الاهتمام العلمي ليؤثر في المجتمع ككل، لندخل في صيرورة جدلية من التأثير والتأثر.

ويستمر الكاتب في تحليله المتناقض للماركسية بين الإعجاب وتأكيد صحتها تارة، وكيل الانتقادات ،التي أغلبها أفكار جاهزة مكرورة بفعل آلة الدعاية البرجوازية، تارة أخرى. وهذا يطرح تساؤلا كبيرا وهو إلى أي درجة استطاع الكاتب أن يظهر لنا جميع المدارس والتيارات الفلسفية بحيادية ودون أن يسقط عليها أفكاره المسبقة ومحكماته المستقبلية دون النظر إلى أهمية ودور هذا المدارس في لحظاتها التاريخية.

الجمعة، 16 أبريل 2010

حكمة الغرب لبرتراند راسل

يوم الأحد 28 مارس أنهيت قراءة الجزء الأول من كتاب "حكمة الغرب" للفيلسوف الانجليزي برتراند راسل الصادر عن سلسلة عالم المعرفة، بعد أن بدأت قراءته منذ مدة، إلا أنني طيلة هذه المدة كنت اقفز من كتاب لآخر دون أن انهيه.

اعترف أن هذه عادة سيئة تلازمني مؤخرا، وهي الانتقال من كتاب لكتاب دون أن انهي أي كتاب، فطيلة مدة قراءتي للجزء الأول من هذا الكتاب قرأت كتب أنهيت بعضها والبعض الآخر لم انهيه بعد، لذا سأحاول ابتداء من اليوم أن أكرس قاعدة كنت نويت إتباعها منذ مدة وهي كتابة بعض الأسطر عن كل كتاب أنهيت قراءته ملخصا فيها انطباعاتي حوله، فلتكن البداية مع "حكمة الغرب"


الجزء الأول من هذا الكتاب يقدم عرضا للفكر اليوناني وفكر العصور الوسطى الغربية (هذا إذا اعتبرنا أن ما كان سائدا خلال العصور الوسطى فكرا)في سياقهما الحضاري والاجتماعي، وعموما فإن الكتاب في مجمله هو رؤية شاملة للفلسفة الغربية منذ بداياتها الأولى في العصر اليوناني حتى النصف الثاني من القرن العشرين، وهو يتجاوز طريقة عرض الأفكار الفلسفية التي سادت خلال كل عصر إلى وضع هذه الأفكار في سياقها التاريخي والاجتماعي، وقد بلغت درجة حرص راسل على هذا إلى أن يضع هذا التصور عنوانا فرعيا للكتاب بأكمله "عرض تاريخي للفلسفة الغربية في إطارها الاجتماعي والسياسي".

ويبقى هذا العرض الفلسفي الشيق متحيزا لأن منتجه فيلسوف قبل كل شيء، وينظر إلى التجربة الفلسفية السابقة له كعلامات الطريق المرشدة إلى منهجه، بالرغم من تأكيد راسل المستمر على طول الكتاب (الجزء الأول فقط لأنني لم أقرأ الجزء الثاني بعد) أن كل الأسئلة الفلسفية المهمة قد طرحت في السابق وقد قدمت لها إجابات ذكية أحيانا كثيرة.

لقد كان الكاتب وفيا خلال عرضه للمنهج الذي وضعه للكتاب وهو عرض للفلسفة الغربية فقط، وكان أحيانا يتطرق إلى الوضع السياسي والاجتماعي للأمم المجاورة لأوروبا خاصة عندما كانت في اتصال شديد (عبر الغزو) معها، لكنه على مستوى الأفكار الفلسفية ظل وفيا للنظرة المركزية الأوروبية، ممجدا الحضارة اليونانية مقللا من تأثير الحضارات الشرقية السابقة لها إذ يقول "لقد توصلت مصر القديمة وبابل إلى بعض المعارف التي اقتبسها الإغريق فيما بعد، ولكن لم تتمكن أي منهما الوصول إلى علم أو فلسفة".

إلى جوار هذا التمجيد للحضارة اليونانية إزاء الحضارات السابقة لها، نجد الكاتب يقوم بتمجيد مفرط لأفلاطون وإقلاله من قدر وقيمة أرسطو في الفكر الفلسفي اليوناني، محملا فلسفة أرسطو مسؤولية تردي الوضع الفلسفي خلال العصور الوسطى، خصوصا عند مفكري الحركة المدرسية، إذ يعتبر أن السبب الذي جعل فلسفة أرسطو الأصلح للتكيف مع اللاهوت المسيحي، هي أن النظرية الواقعية (وتسمى أحيانا نظرية المثل وهي نظرية دافع عنها أفلاطون ويطرح أرسطو نظرية مغايرة هي النظرية الاسمية، وهو تعارض قديم في الفكر الفلسفي ما زال مستمرا لحدود الآن حول أن الأشياء توجد بشكل كامل ومثالي في عالم لا مادي هو عالم المثل والأشياء المادية الموجودة في الكون هي تمثلات لتلك الموجودات الكائنة في عالم المثل في حين أن أرسطو يعتبر أن الأشياء الكاملة والمثالية لا وجود لها بل هي أسماء فقط، هاد الشي اللي قدرت نفهم نقدر يكون فهمت هادشي بالمقلوب) لا تترك مجالا كبيرة لقوة إلهية لها وظيفة أساسية في تدبير الأمور، في حين أن النظرية الاسمية (التي دافع عنها أرسطو) فتترك مجالا أوسع بكثير في هذا الصدد، وهذا الموقف يعارضه بشدة الفيلسوف الألماني الشهير "نيتشه" الذي كان يرى الأفلاطونية هي الأقرب إلى المسيحية لأنها أكدت غائية الكون عن طريق إعطاء مكانة عليا لمثال الخير وازدواجية عالم الواقع وعالم المثل، وكلها عناصر تكررت في المسيحية مع شيء من التحوير، أما أرسطو فكان في نزعته التجريبية والواقعية، التي تعلي من قدر الجزئي والمحسوس، بعيدا عن المسيحية.

هذا فيما يتعلق بالكاتب أما المترجم وهو الدكتور فؤاد زكريا، فقد كان موفقا خلال ترجمته للنص، حسب رأيي، بالرغم من تأثير المرجعية الثقافية عند عملية الترجمة، إذ يلاحظ أن الترجمة تضعف عندما يكون بصدد ترجمة مقاطع حول العالم العربي والإسلامي ويغلب فيها المصطلحات المتداولة عند المفكرين العرب وليس المصطلحات التي استخدما راسل، على سبيل المثال نجده يستخدم كلمات "الفتوحات الإسلامية" بالنسبة للغزو العربي لأوروبا مقارنة مع الغزو الفارسي أو غزو قبائل الهون، وهو ما نعتقد أن راسل لم يستخدمها بل كان يستخدم مصطلح الغزو العربي أو الغزو الإسلامي.

ونجد المترجم أيضا يضيف جملة (صلى الله عليه وسلم) كلما تحدث راسل عن النبي محمد، ربما حاول المترجم عدم استفزاز مشاعر القراء (علما أن مشاعر المسلمين صارت سريعة العطب مؤخر هه) إذ هذا ما نلاحظه عندما قام راسل بتقديم محاولة لتفسير مادي "للفتوحات الإسلامية" مؤكدا على أن الدوافع الدينية عند العرب لم تكن متطرفة، وظلت الدوافع المادية تمارس دورا مهما في حملاتهم التوسعية، إذ قام المترجم بالإشارة في الهامش إلى أن الكثير من القراء يختلفون مع المؤلف في هذا الرأي، وهذا لعمري أمر عجيب، إذ لا يوجد كتاب لا يختلف اغلب القراء مع أراء كاتبه، ولا داعي لتذكير القراء بذلك.

إلى جانب هذا فإن المترجم يكيل المديح للفيلسوف الانجليزي الذي اعتبره منصفا للفكر العربي، بالرغم من أن الكتاب لم يتضمن إلا إشارات قليلة لهذا الفكر، ومقدرا للدور الذي "قامت به الحضارة الإسلامية إلى حد بعيد".

وعموما يبقى هذا الكتاب مهما للراغبين في تطوير معارفهم حول الفلسفة، متجاوزا مناهج الكتب المدرسية التي تقدم الفلسفة بشكل موضوعاتي، أي تطرح موضوعا فلسفيا وتشحن ذهن التلميذ بأفكار فلاسفة يختلفون مع بعضهم البعض إلى حدود التناقض، دون التطرق لتطور الفكر الفلسفي ودون الأخذ بعين الاعتبار اللحظة التاريخية التي أنتجت فيها تلك الأفكار، ربما أن وزارة التربية الوطنية تحاول أن تثبت للتلاميذ أن الفلاسفة "كلها يلغي بلغاه" لذا فهي مجال "لأغنان" و السفسطة يجب على التلاميذ الابتعاد عنه.