الجمعة، 16 أبريل 2010

حكمة الغرب لبرتراند راسل

يوم الأحد 28 مارس أنهيت قراءة الجزء الأول من كتاب "حكمة الغرب" للفيلسوف الانجليزي برتراند راسل الصادر عن سلسلة عالم المعرفة، بعد أن بدأت قراءته منذ مدة، إلا أنني طيلة هذه المدة كنت اقفز من كتاب لآخر دون أن انهيه.

اعترف أن هذه عادة سيئة تلازمني مؤخرا، وهي الانتقال من كتاب لكتاب دون أن انهي أي كتاب، فطيلة مدة قراءتي للجزء الأول من هذا الكتاب قرأت كتب أنهيت بعضها والبعض الآخر لم انهيه بعد، لذا سأحاول ابتداء من اليوم أن أكرس قاعدة كنت نويت إتباعها منذ مدة وهي كتابة بعض الأسطر عن كل كتاب أنهيت قراءته ملخصا فيها انطباعاتي حوله، فلتكن البداية مع "حكمة الغرب"


الجزء الأول من هذا الكتاب يقدم عرضا للفكر اليوناني وفكر العصور الوسطى الغربية (هذا إذا اعتبرنا أن ما كان سائدا خلال العصور الوسطى فكرا)في سياقهما الحضاري والاجتماعي، وعموما فإن الكتاب في مجمله هو رؤية شاملة للفلسفة الغربية منذ بداياتها الأولى في العصر اليوناني حتى النصف الثاني من القرن العشرين، وهو يتجاوز طريقة عرض الأفكار الفلسفية التي سادت خلال كل عصر إلى وضع هذه الأفكار في سياقها التاريخي والاجتماعي، وقد بلغت درجة حرص راسل على هذا إلى أن يضع هذا التصور عنوانا فرعيا للكتاب بأكمله "عرض تاريخي للفلسفة الغربية في إطارها الاجتماعي والسياسي".

ويبقى هذا العرض الفلسفي الشيق متحيزا لأن منتجه فيلسوف قبل كل شيء، وينظر إلى التجربة الفلسفية السابقة له كعلامات الطريق المرشدة إلى منهجه، بالرغم من تأكيد راسل المستمر على طول الكتاب (الجزء الأول فقط لأنني لم أقرأ الجزء الثاني بعد) أن كل الأسئلة الفلسفية المهمة قد طرحت في السابق وقد قدمت لها إجابات ذكية أحيانا كثيرة.

لقد كان الكاتب وفيا خلال عرضه للمنهج الذي وضعه للكتاب وهو عرض للفلسفة الغربية فقط، وكان أحيانا يتطرق إلى الوضع السياسي والاجتماعي للأمم المجاورة لأوروبا خاصة عندما كانت في اتصال شديد (عبر الغزو) معها، لكنه على مستوى الأفكار الفلسفية ظل وفيا للنظرة المركزية الأوروبية، ممجدا الحضارة اليونانية مقللا من تأثير الحضارات الشرقية السابقة لها إذ يقول "لقد توصلت مصر القديمة وبابل إلى بعض المعارف التي اقتبسها الإغريق فيما بعد، ولكن لم تتمكن أي منهما الوصول إلى علم أو فلسفة".

إلى جوار هذا التمجيد للحضارة اليونانية إزاء الحضارات السابقة لها، نجد الكاتب يقوم بتمجيد مفرط لأفلاطون وإقلاله من قدر وقيمة أرسطو في الفكر الفلسفي اليوناني، محملا فلسفة أرسطو مسؤولية تردي الوضع الفلسفي خلال العصور الوسطى، خصوصا عند مفكري الحركة المدرسية، إذ يعتبر أن السبب الذي جعل فلسفة أرسطو الأصلح للتكيف مع اللاهوت المسيحي، هي أن النظرية الواقعية (وتسمى أحيانا نظرية المثل وهي نظرية دافع عنها أفلاطون ويطرح أرسطو نظرية مغايرة هي النظرية الاسمية، وهو تعارض قديم في الفكر الفلسفي ما زال مستمرا لحدود الآن حول أن الأشياء توجد بشكل كامل ومثالي في عالم لا مادي هو عالم المثل والأشياء المادية الموجودة في الكون هي تمثلات لتلك الموجودات الكائنة في عالم المثل في حين أن أرسطو يعتبر أن الأشياء الكاملة والمثالية لا وجود لها بل هي أسماء فقط، هاد الشي اللي قدرت نفهم نقدر يكون فهمت هادشي بالمقلوب) لا تترك مجالا كبيرة لقوة إلهية لها وظيفة أساسية في تدبير الأمور، في حين أن النظرية الاسمية (التي دافع عنها أرسطو) فتترك مجالا أوسع بكثير في هذا الصدد، وهذا الموقف يعارضه بشدة الفيلسوف الألماني الشهير "نيتشه" الذي كان يرى الأفلاطونية هي الأقرب إلى المسيحية لأنها أكدت غائية الكون عن طريق إعطاء مكانة عليا لمثال الخير وازدواجية عالم الواقع وعالم المثل، وكلها عناصر تكررت في المسيحية مع شيء من التحوير، أما أرسطو فكان في نزعته التجريبية والواقعية، التي تعلي من قدر الجزئي والمحسوس، بعيدا عن المسيحية.

هذا فيما يتعلق بالكاتب أما المترجم وهو الدكتور فؤاد زكريا، فقد كان موفقا خلال ترجمته للنص، حسب رأيي، بالرغم من تأثير المرجعية الثقافية عند عملية الترجمة، إذ يلاحظ أن الترجمة تضعف عندما يكون بصدد ترجمة مقاطع حول العالم العربي والإسلامي ويغلب فيها المصطلحات المتداولة عند المفكرين العرب وليس المصطلحات التي استخدما راسل، على سبيل المثال نجده يستخدم كلمات "الفتوحات الإسلامية" بالنسبة للغزو العربي لأوروبا مقارنة مع الغزو الفارسي أو غزو قبائل الهون، وهو ما نعتقد أن راسل لم يستخدمها بل كان يستخدم مصطلح الغزو العربي أو الغزو الإسلامي.

ونجد المترجم أيضا يضيف جملة (صلى الله عليه وسلم) كلما تحدث راسل عن النبي محمد، ربما حاول المترجم عدم استفزاز مشاعر القراء (علما أن مشاعر المسلمين صارت سريعة العطب مؤخر هه) إذ هذا ما نلاحظه عندما قام راسل بتقديم محاولة لتفسير مادي "للفتوحات الإسلامية" مؤكدا على أن الدوافع الدينية عند العرب لم تكن متطرفة، وظلت الدوافع المادية تمارس دورا مهما في حملاتهم التوسعية، إذ قام المترجم بالإشارة في الهامش إلى أن الكثير من القراء يختلفون مع المؤلف في هذا الرأي، وهذا لعمري أمر عجيب، إذ لا يوجد كتاب لا يختلف اغلب القراء مع أراء كاتبه، ولا داعي لتذكير القراء بذلك.

إلى جانب هذا فإن المترجم يكيل المديح للفيلسوف الانجليزي الذي اعتبره منصفا للفكر العربي، بالرغم من أن الكتاب لم يتضمن إلا إشارات قليلة لهذا الفكر، ومقدرا للدور الذي "قامت به الحضارة الإسلامية إلى حد بعيد".

وعموما يبقى هذا الكتاب مهما للراغبين في تطوير معارفهم حول الفلسفة، متجاوزا مناهج الكتب المدرسية التي تقدم الفلسفة بشكل موضوعاتي، أي تطرح موضوعا فلسفيا وتشحن ذهن التلميذ بأفكار فلاسفة يختلفون مع بعضهم البعض إلى حدود التناقض، دون التطرق لتطور الفكر الفلسفي ودون الأخذ بعين الاعتبار اللحظة التاريخية التي أنتجت فيها تلك الأفكار، ربما أن وزارة التربية الوطنية تحاول أن تثبت للتلاميذ أن الفلاسفة "كلها يلغي بلغاه" لذا فهي مجال "لأغنان" و السفسطة يجب على التلاميذ الابتعاد عنه.

هناك تعليق واحد: