الجمعة، 16 أبريل 2010

حكمة الغرب لبرتراند راسل

يوم الأحد 28 مارس أنهيت قراءة الجزء الأول من كتاب "حكمة الغرب" للفيلسوف الانجليزي برتراند راسل الصادر عن سلسلة عالم المعرفة، بعد أن بدأت قراءته منذ مدة، إلا أنني طيلة هذه المدة كنت اقفز من كتاب لآخر دون أن انهيه.

اعترف أن هذه عادة سيئة تلازمني مؤخرا، وهي الانتقال من كتاب لكتاب دون أن انهي أي كتاب، فطيلة مدة قراءتي للجزء الأول من هذا الكتاب قرأت كتب أنهيت بعضها والبعض الآخر لم انهيه بعد، لذا سأحاول ابتداء من اليوم أن أكرس قاعدة كنت نويت إتباعها منذ مدة وهي كتابة بعض الأسطر عن كل كتاب أنهيت قراءته ملخصا فيها انطباعاتي حوله، فلتكن البداية مع "حكمة الغرب"


الجزء الأول من هذا الكتاب يقدم عرضا للفكر اليوناني وفكر العصور الوسطى الغربية (هذا إذا اعتبرنا أن ما كان سائدا خلال العصور الوسطى فكرا)في سياقهما الحضاري والاجتماعي، وعموما فإن الكتاب في مجمله هو رؤية شاملة للفلسفة الغربية منذ بداياتها الأولى في العصر اليوناني حتى النصف الثاني من القرن العشرين، وهو يتجاوز طريقة عرض الأفكار الفلسفية التي سادت خلال كل عصر إلى وضع هذه الأفكار في سياقها التاريخي والاجتماعي، وقد بلغت درجة حرص راسل على هذا إلى أن يضع هذا التصور عنوانا فرعيا للكتاب بأكمله "عرض تاريخي للفلسفة الغربية في إطارها الاجتماعي والسياسي".

ويبقى هذا العرض الفلسفي الشيق متحيزا لأن منتجه فيلسوف قبل كل شيء، وينظر إلى التجربة الفلسفية السابقة له كعلامات الطريق المرشدة إلى منهجه، بالرغم من تأكيد راسل المستمر على طول الكتاب (الجزء الأول فقط لأنني لم أقرأ الجزء الثاني بعد) أن كل الأسئلة الفلسفية المهمة قد طرحت في السابق وقد قدمت لها إجابات ذكية أحيانا كثيرة.

لقد كان الكاتب وفيا خلال عرضه للمنهج الذي وضعه للكتاب وهو عرض للفلسفة الغربية فقط، وكان أحيانا يتطرق إلى الوضع السياسي والاجتماعي للأمم المجاورة لأوروبا خاصة عندما كانت في اتصال شديد (عبر الغزو) معها، لكنه على مستوى الأفكار الفلسفية ظل وفيا للنظرة المركزية الأوروبية، ممجدا الحضارة اليونانية مقللا من تأثير الحضارات الشرقية السابقة لها إذ يقول "لقد توصلت مصر القديمة وبابل إلى بعض المعارف التي اقتبسها الإغريق فيما بعد، ولكن لم تتمكن أي منهما الوصول إلى علم أو فلسفة".

إلى جوار هذا التمجيد للحضارة اليونانية إزاء الحضارات السابقة لها، نجد الكاتب يقوم بتمجيد مفرط لأفلاطون وإقلاله من قدر وقيمة أرسطو في الفكر الفلسفي اليوناني، محملا فلسفة أرسطو مسؤولية تردي الوضع الفلسفي خلال العصور الوسطى، خصوصا عند مفكري الحركة المدرسية، إذ يعتبر أن السبب الذي جعل فلسفة أرسطو الأصلح للتكيف مع اللاهوت المسيحي، هي أن النظرية الواقعية (وتسمى أحيانا نظرية المثل وهي نظرية دافع عنها أفلاطون ويطرح أرسطو نظرية مغايرة هي النظرية الاسمية، وهو تعارض قديم في الفكر الفلسفي ما زال مستمرا لحدود الآن حول أن الأشياء توجد بشكل كامل ومثالي في عالم لا مادي هو عالم المثل والأشياء المادية الموجودة في الكون هي تمثلات لتلك الموجودات الكائنة في عالم المثل في حين أن أرسطو يعتبر أن الأشياء الكاملة والمثالية لا وجود لها بل هي أسماء فقط، هاد الشي اللي قدرت نفهم نقدر يكون فهمت هادشي بالمقلوب) لا تترك مجالا كبيرة لقوة إلهية لها وظيفة أساسية في تدبير الأمور، في حين أن النظرية الاسمية (التي دافع عنها أرسطو) فتترك مجالا أوسع بكثير في هذا الصدد، وهذا الموقف يعارضه بشدة الفيلسوف الألماني الشهير "نيتشه" الذي كان يرى الأفلاطونية هي الأقرب إلى المسيحية لأنها أكدت غائية الكون عن طريق إعطاء مكانة عليا لمثال الخير وازدواجية عالم الواقع وعالم المثل، وكلها عناصر تكررت في المسيحية مع شيء من التحوير، أما أرسطو فكان في نزعته التجريبية والواقعية، التي تعلي من قدر الجزئي والمحسوس، بعيدا عن المسيحية.

هذا فيما يتعلق بالكاتب أما المترجم وهو الدكتور فؤاد زكريا، فقد كان موفقا خلال ترجمته للنص، حسب رأيي، بالرغم من تأثير المرجعية الثقافية عند عملية الترجمة، إذ يلاحظ أن الترجمة تضعف عندما يكون بصدد ترجمة مقاطع حول العالم العربي والإسلامي ويغلب فيها المصطلحات المتداولة عند المفكرين العرب وليس المصطلحات التي استخدما راسل، على سبيل المثال نجده يستخدم كلمات "الفتوحات الإسلامية" بالنسبة للغزو العربي لأوروبا مقارنة مع الغزو الفارسي أو غزو قبائل الهون، وهو ما نعتقد أن راسل لم يستخدمها بل كان يستخدم مصطلح الغزو العربي أو الغزو الإسلامي.

ونجد المترجم أيضا يضيف جملة (صلى الله عليه وسلم) كلما تحدث راسل عن النبي محمد، ربما حاول المترجم عدم استفزاز مشاعر القراء (علما أن مشاعر المسلمين صارت سريعة العطب مؤخر هه) إذ هذا ما نلاحظه عندما قام راسل بتقديم محاولة لتفسير مادي "للفتوحات الإسلامية" مؤكدا على أن الدوافع الدينية عند العرب لم تكن متطرفة، وظلت الدوافع المادية تمارس دورا مهما في حملاتهم التوسعية، إذ قام المترجم بالإشارة في الهامش إلى أن الكثير من القراء يختلفون مع المؤلف في هذا الرأي، وهذا لعمري أمر عجيب، إذ لا يوجد كتاب لا يختلف اغلب القراء مع أراء كاتبه، ولا داعي لتذكير القراء بذلك.

إلى جانب هذا فإن المترجم يكيل المديح للفيلسوف الانجليزي الذي اعتبره منصفا للفكر العربي، بالرغم من أن الكتاب لم يتضمن إلا إشارات قليلة لهذا الفكر، ومقدرا للدور الذي "قامت به الحضارة الإسلامية إلى حد بعيد".

وعموما يبقى هذا الكتاب مهما للراغبين في تطوير معارفهم حول الفلسفة، متجاوزا مناهج الكتب المدرسية التي تقدم الفلسفة بشكل موضوعاتي، أي تطرح موضوعا فلسفيا وتشحن ذهن التلميذ بأفكار فلاسفة يختلفون مع بعضهم البعض إلى حدود التناقض، دون التطرق لتطور الفكر الفلسفي ودون الأخذ بعين الاعتبار اللحظة التاريخية التي أنتجت فيها تلك الأفكار، ربما أن وزارة التربية الوطنية تحاول أن تثبت للتلاميذ أن الفلاسفة "كلها يلغي بلغاه" لذا فهي مجال "لأغنان" و السفسطة يجب على التلاميذ الابتعاد عنه.

الأربعاء، 7 أبريل 2010

رسالة حب فاشلة

لم يحن الوقت بعد لكتابة تدوينة خاصة لهذه المدونة، فما زلت الان ابحث عن ما نشرته سابقا في منتدى الجبهة نت لاعادت نشره على هذه المدونة.


هذا الصباح، انقطع التيار الكهربائي، مثل سائر الأيام التي تجري فيه سحابة في السماء، لا انترنيت ولا تلفزيون يوم الأحد، ما زال الوقت مبكرا للخروج والجو غائم أيضا والشوارع مليء بالأوحال.

هذه فرصة مناسبة لترتيب الكتب والأوراق والوثائق الملقاة على إحدى الطاولات كيفما اتفق، بعدما أفرغتها من الخزانة لكي نحولها لملابس وحاجيات ابنة أخي الذي جاء حديثا من اسبانيا، وإذا بي أجد رسالة كتبتها قبل 5 سنوات لأخي لكنني لم أرسلها له، لا ادري لماذا ضحكت كثيرا على ما كتبت فيها، وسلمتها له قائلا: لقد وصلتك رسالتي بعد 5 سنين من كتابتها فاحتفظ بها. بعد أن قرأها قال لي: إن الرسالة ليست لي، إنها لك لأنك كنت تخاطب نفسك في الرسالة، وما وجود اسمي هنا إلا كمنولوج داخلي. على أي حال قد انقل لكم الرسالة هنا ذات يوم بعد أن احذف منها ما يتعلق بأخبار الأسرة.

أكملت البحث بين تلك الأوراق فتوفر لي كم جيد من الوثائق التي تستحق النشر، وسأبدأ بالأولى، وهي رسالة حب كتبتها عندما كنت ادرس في السنة الأولى من الجامعة، لطالبة لا ادري هل كنت معجبا بها أم هي كانت معجبة بي، عند قراءة الرسالة، لم أجد فيها ما يعبر عن الرومانسية أو الرغبة في ربط علاقة جادة، ربما هو الفراغ العاطفي الذي يصادف الإنسان في المراحل النهائية من تجربة المراهقة والتحول أو هو رغبة اجتماعية في التأكيد على وجودي كذكر بربط علاقة بأنثى، بغض النظر عن مشاعرنا.

كانت المسافة جد بعيدة بين الحي الذي اقطن به (طابولة) والجامعة (مارتيل) لذا كنت دائما، بعد ساندويتش عند "حسن"، اذهب للمكتبة من اجل قراءة أي شيء (كتاب، جريدة، قصة، ديوان شعري، المقرر...) وذلك فقط إلى حين فتح أبواب الكلية (الجناح القديم) حيث توجد الآن كلية الحقوق والتي كانت شهيرة باسم "جناح مكة" وذلك لقوة وجود الطلبة المنضويين في التيارات والفصائل الإسلامية، مقارنة بـ"جناح موسكو" (كلية الآداب حاليا) لقوة حضور الطلبة اليساريين به.

في المكتبة وما بين الساعة 12 و 14 تجلس قبالتي طالبة اعتقد إنها من القصر الكبير، وبعد حديث واخذ ورد عرفت أنها تدرس مادة التاريخ والجغرافيا وأنها تقطن بالحي الجامعي لكنها لا ترغب في الذهاب ما بين 12 و14 وتفضل أن تضيف دراهم قليلة للدرهمين الخاصين بالنقل وتناول ساندويتش "حسن"، تكرر الأمر لمدة أسبوع، فاعتقدت أنها معجبة بي فكتبت هذه الرسالة وسلمتها لها:

الرسالة:

في البدء كانت الكلمة!

وستضل الكلمة دائما أفضل رسول بين العشاق.

قد تستغربين هذه الكلمات، وتتساءلين لماذا؟

إنني لا أؤمن بالنظرية التي تقول بالحب من أول نظرة، لأن الحب هو شعور إنساني راق، لا يمكن أن يحسه الإنسان بمجرد نظرة أولى، فالحب يجب أن يصقل بالمعاشرة اليومية – لا تستغربي – لكن كيف يختار الإنسان رفيقته أو رفيقها في الحياة لكي يصقلا معا هذا الحب.
بمجرد رؤيتي لك، وآنت تجلسين دائما قبالتي في مكتبة الجامعة أو في المقصف، وقع جسدك في عينيّ موقع استحسان، لذا وبعد كلمات قليلة بيننا، قررت أن أفاتحك بهذه الخطاطة عسى أن نتعرف على بعضنا بشكل أفضل.

وقد تتساءلين، لماذا اخترتك أنت بالضبط؟

إن الإنسان في هذه الدنيا لا يتمتع بحرية الاختيار، والتي تتحكم فيها الصدفة وحدها.

فمن منا اختار والديه أو زملاءه أو حتى مدينته أو قريته. لكن وبما حبانا الله من مقدرة على التكيف يستطيع الإنسان أن يتواصل مع محيطه ويتأثر فيه ويتأثر به أيضا.

لهذا كانت الصدفة وحدها من ألقت بنا في طريق بعضنا. لذا أطلب منك أن نترك مسألة التكيف للتجربة التي تعمل عملها.

أنا لن افرض عليك شخصيتي أو أفكاري أو حتى حياتي السابقة، لأنني وكما قلت فإن الإنسان يؤثر ويتأثر في نفس الوقت، فقناعتي تقول أنه لو نجحت هذه العلاقة الطفولية بيننا، فأكيد أنني سأتغير وأنت ستتغيرين أيضا.

لا اعرف هل إلى الأحسن أم إلى الأسوأ، لذا فما علينا إلا أن نترك الحياة وحدها تختار وما علينا إلا أن نحكم عقولنا في الاختيارات التي تفرضها الحياة.

ما رأيك؟

بعد أن تسلمت زميلتي أو رفيقتي المفترضة الرسالة، لم اعد شاهدها في المكتبة أو المقصف، وانتظرت طويلا أن ترد على رسالتي، لذا لا أنصحكم بكتابة رسالة حبكم الأولى مثل التي كتبتها، لأنني لم أتلقى ردا لحدود الآن.

وكل رسالة وانتم ....

الأحد: 01 مارس 2009

الأحد، 4 أبريل 2010

طائر الشــــوك


الميناء
يتصبب شمسا و فراغا
و زخام العرق
أحال وجهك أصباغا
ضجر، ملل، قنوط
و ترقب يدغدغ الفؤاد
الريح تذروك
كطائر الشوك
و البحر أمواج تناديك
انتفض الجسد و تأوه
***
نفضت جسدي
من صور السفاح
و حلمت بأبواب قصور أندلسية
و حملت أمتعتي
و زخام العرق
أحال وجهي أصباغا
بصقت في الهواء
فلعابي لم يعد مستساغا
***
حملت أمتعتي
و جريت
فقد فتحت فاها
ولم أرى سوا جناحا
دافئا
و أنا كتكوت دثره البرد
***
جريت، جريت
و صحت في الممر الطويل
أنقذني من وطني
أنقذني من وطني
وطن تحكمه الأفخاذ الملكية
وطن هذا أم مبغى
تنشقت، تنشقت
هواء مالحا
و لم أرى سوى جناحا
دافئا
و أنا كتكوت دثره البرد
***
أنقذني من وطني
وطن مزق جسدي
في إحدى المستشفيات
و طن سحي مني كراريس
المحاضرات
و دفاتر الأشعار
وطن تركني كإناء فارغ
على شاطئ البحر
مزقني، بعثرني
أين حريتي
مسكني، عملي، قوتي
صحتي، دراستي
***
وطن هذا أم مبغى
وطن هذا أم مبغى
أنقذني من وطني
سأبصق على وجه
حكامكم
و أدوس على برلماناتكم
و أشيائكم المبعثرة
***
أنقذني
فقد أحال زخام العرق
وجهي أصباغا
و لعابي لم يعد مستساغا
***
أنا ابن الريح
طائر الشوك
أسافر في متاهات البحر.

السبت، 3 أبريل 2010

spiderman فيلم "سوقوخاوي"


هذا الموضوع كنت قد كتبته في منتدى الجبهة نت بتاريخ: 07 مارس 2009، وقد ارتأيت إعادة نشره بمدونتي على اعتبار أن المدونة هي محاولة لتجميع ما كتبته في مختلف وسائط الانترنيت

أحيانا نشاهد بعض الأفلام التي تحقق شهرة كبيرة، وعند مشاهدتها نقول في أنفسنا أو بصوت عالي "السوق الخاوي"

هذا هو انطباعي بعد أن أكملت مشاهدة ثلاثية spiderman "الرجل العنكبوت" التي حققت شهرة عالمية، الجزأين الأول والثاني شاهدتهما على قناة mbc2 أما الجزء الثالث فشاهدته رفقة صديقي التارجيستي في قنوات الشوتايم.

الفيلم موجه عموما للمراهقين الأمريكيين وهو مليء بالإشارات السياسية التي تدافع عن سياسة بوش.

الملاحظة الأولى هي تكرار عبارة شهيرة تحكم منطق الدولة الأمريكية وهي "القوة مسؤولية" والتي كررها الجد أكثر من مرة للمراهق الذي اكتشف في نفسه قدرات خارقة.

ثم يأتي بعدها العداء الصرف للإعلام والصحافيين الذين يحاول أن يظهرهم في صورة متسلطة ولا تنظر إلى الجانب المشرق التي يقوم بها السبايدر مان وهي تتبع أخطاءه وهفواته، هذه الصورة استمرت حتى الجزء الثالث ليظهر لنا صحفي شرير يحاول قتل السبايدرمان.

تشويهه لصورة العلماء والعلم: اظهر الفيلم شخصيتين كانا عالمين شهيرين على صورة مجرمين محاولا أن يدافع عن سياسة بوش الشهيرة التي ترى انه من الواجب وضع حدود للعلم وان العلماء الذين يطمحون لتحقيق أشياء اكبر هم عبارة عن مجرمين.

أيضا إن الأعمال البطولية التي يقوم بها السبايدر مان هي عبارة عن تعقب مجرمين صغار فقط يسرقون حقائب النساء أو يحاولون التحرش بفتاة ما، وكأن هذا هو رمز الشر في العالم.

تساهله مع مجرم في آخر الجزء الثالث إذ قام بالعفو عنه رغم جرائمه الكثيرة.

الانصياع التام لتسلط مشغليه فعندما عمل صحفيا لم يحاول أبدا أن يتحدى مشغله من اجل حقوقه المهضومة، أو عندما اشتغل ناقل بيتزا، وهنا يعطي صورة للشباب الأمريكي بضرورة الالتزام بأوامر المشغل، خصوصا أن شخصية مثل شخصية سبايدر مان تكون مسيطرة ويتأثر بها العديد من المراهقين ويحاولون تقليده والتصرف مثله.





الجمعة، 2 أبريل 2010

البــنــــان (الموز)


تعود بي الذاكرة لشوارع الجبهة الخالية من السيارات في بداية الثمانينات، كل الشوارع كانت ملاعب لكرة القدم و"صالبو" و "وانتشي"، عندما كانت اللعب تصنع من طرفنا نحن الأطفال، كانت علب الزيت الأمريكية، التي كانت تتبرع بها أمريكا للمغرب في إطار الحرب الباردة، وسيلتنا لخلق العديد من الألعاب، كاميون، باركو، كمبري...

الاتصال بالعالم الخارجي كان ضعيفا، وكانت بعض المنتجات العادية اليوم ضربا من الترف الذي لا نصدق أننا سنحصل عليه بما فيها (دانون، البنان، الباسطيلي...) ولنا قصص عديدة مع هذه المنتجات، واعتقد أن العديد من أصدقاء الطفولة يتذكرون المرة الأولى التي شاهدوا فيها هذه المنتجات أو تذوقوها.

بعد سنين قليلة من تعرضي لمحاولة الاغتيال من طرف العضو "بوريتو غاباس" بدبابته البنية والتي كانت السبب في كرهه لفكرة السياقة لاحقا، بعدها بسنوات قليلة كنا نلعب كرة القدم في أحد شوارع الجبهة، وفجأة حضر أحد الصبية وهو ينادي:

-آالدراري أ الدراري، البنان كيتباع في الجبهة
*بصح حلف بالله

تركنا الكرة وعدونا إلى المكان الذي كان يباع فيه "البنان" من طرف "العياشي"، الذي رحل الآن لاسبانيا كان له محل لبيع الخضر أمام مقهى "علي د الحاج"، وتحلقنا حوله في محاولة لمشاهدة البنان، وهو يطردنا من هنا لنعود لمشاهدته من جهة أخرى

- فاينو البنان
* راهو معلق على داك الخيوط
-هاداك ماشي البنان
* هاداك البنان أصحبي
- لا هاداك الموز أنا شفتو في التيلاوة
* والموز هو البنان أصاحبي
- أجي دابا كيف داير المذاق دهاد البنان
* أنا عمري كليتو، سقسي فلان حيت مشى للسبيطار في المدينة وكلا البنان تماك
- أنا كيجبلي الله المذاق ديالو فحال الخبز فعام الجوع
* أصاحبي أنت مضروب على الخبز، واش باقي كيعجبك الخبز فيه الزيت والسكر.

بعد أن طردنا العياشي لأننا لا نحن ولا آباءنا كانوا يستطيعون شراء البنان فقد كان ثمنه أكثر من 25 درهم، في زمن كانت أجرة العامل في مجال البناء 20 درهم فقط.

الخميس، 1 أبريل 2010

على أهبة الرحيل!

فليكن!
أكلما نويت اجتياحك
اجتاحتني لوعة حب!

كلما نويت أن أخرج منك، ترصدتني لوعة مجنونة، تعصر القلب تدفعه إلى خفقان غير طبيعي، تتشابك المشاعر في المعابر وعلى الحدود، أهي صدفة، أم أن الخروج من حدود الوطن الضيق، تدفع المشاعر للتمرد على النمط اليومي.

أنا الآن وحيد في محطة المغادرة، أفكر فعلا: هل احبك أم فراغ يدفعني لاستغلال فرصة متاحة، أنا لا أنكر أنني كلما تواصلت معك أحسست بانقباض سعيد بداخلي، يدفعني أحيانا للصمت، أنقطع عن الكلام أيام وأيام وأحيانا أخرى أندفع لقول كل شيء ولا شيء.

ما الذي يدفعني إلى الصمت، هل هو جهلي بحقيقة مشاعرك؟ ربما!
هل هو تخوفي من تجربة أخرى تنهي حياة تلك الأغصان التي نجت من العاصفة؟ ربما أيضا!
وربما أن الحقيقة العارية التي تقف كسيف ديموقليس فوق رقبتي هو كوني أخشى أن تكوني مرتبطة!!!!!

21 septembre 2009

الانتظار


أنا الآن يومك
أنا الوقوف
الجلوس
التمدد
الاتكاء
القرفصاء
الذهاب
المكوث
الترقب
الانتظار

أنا الآن يومك
أنا أرجوحتك اليومية
أنا ليل السهاد
أنا ليل الانتظار

أكلما ذهبت
حللت يا يومي المستحيل।

04 أكتوبر، 2009

بادية الظلمات - الجزء الخامس من خماسية مدن الملح


اليوم (24 يونيو، 2009) اكملت قراءة الجزء الخامس من الخماسية الرائعة لعبد الرحمان منيف "مدن الملح". التي يروي فيها حكايات المدن التي انتقلت من عالم الصحراء لتضحي عالماً آخر تنبعث فيه رائحة النفط التي تخدر أحلام ساكنيه وتنقلهم نقلات متسارعة يتخبطون عبرها بين الوهم والحقيقة. مساحات طويلة يعبرونها بأزمان قصيرة ينتقلون خلالها من عالم البداوة إلى عالم التمدن. في ذلك العالم يحلق عبد الرحمن منيف يصور كأبرع مصور لوحات إنسانية واجتماعية تحدث بنفسها عن أثر النفط في بلاد النفط.

إن هذه الخماسية هي تسجيل لحقبة من الزمن السياسي، من خلال سرد الراوي المختفي ومن خلال حشود من الشخصيات ومن بعض الرواة المباشرين والمستترين. التي تمتلأ بهم الرواية الى درجة يصعب كثيرا تذكر كل تلك الشخصيات.

ويتوجه الراوي إلى متابعة الحراك السياسي بعفويته، فالرواية هي سجل إخباري واسع النطاق، لكنه مجسد عبر الشخصيات، ولهذا فإن أجزاء الرواية وتطور الشخصيات وعرض الأحداث سوف يتتبع الحركة العفوية التلقائية للتاريخ المقروء.

هذا الجزء الخامس يتكون من فصلين الفصل الاول يتحدث عن الايام الاخيرة للسلطان خريبط (عبد العزيز) مؤسس الدولة الهديبية (السعودية)، في حين يتحدث الفصل الثاني عن ما بعد الانقلاب الذي عزل فيه خزعل (سعود) من طرف الملك فنر (فيصل).

إن رواية منيف خاصة في الاجزاء الاخيرة منها ذات صبغة تسجيلية محضة اذ يقوم بتسجيل دقيق للاحداث والوقائع وربما أنه لم يقم الا بتغيير اسماء الشخصيات العامة باسماء خيالية. وربما كانت هذه الطريقة هي التي اتبعها في روايته ارض السواد لكنني لم اقرأها بعد لاعرف ذلك. وعلى هذا الاعتبار يمكننا ان نعتبره اضافة الى صنع الله ابراهيم من أهم الروائيين التسجيليين في العالم العربي.

وبالرغم من ان رواية منيف تتطرق الى انشطة الملوك والسلاطين بالاساس الا ان لديه طريقة رائعة في توسيع الدوائر من السلاطين الى الشخصيات المحيطة وصولا الى عموم الشعب في تصرفاتهم اليومية ودرجة اصطدامهم بالسلطة.

بالنسبة لي كان تاريخ شبه الجزيرة العربية شيء غامضا وكانت لدي صورة سطيحة جدا ومنمطة عن الشعب "السعودي" بفعل تأثير وسائل الاعلام .. الخ، الى ان فتح عيني منيف عبر روايته الرائعة عن يوميات مدن الملح.